على ناصية مفترق طرق في شارع عمر المختار الرئيسي وسط مدينة غزة، يصفف الشاب نمر الصواف (27 عاماً) قطع الملابس جنباً إلى جنب فوق طاولته الخشبية، أملاً في لفت أنظار الزبائن، حتى يوفر قوت يومه.
ويسعى الصواف ويعمل لديه ثلاثة عُمال آخرين يعيلون أسراً، من خلال “بسطته” التي لا تتجاوز الأمتار الخمسة، إلى إيجاد فرصة عمل، بعد أن تقطعت به الأسباب، توفر له ولمن معه حاجيات أسرهم الأساسية.
ويقول: إن الحركة الشرائية في غزة ضعيفة للغاية، نتيجة التطورات الأخيرة في ملف الرواتب والمِنح والهِبات وإغلاق المعابر، مشدداً في الوقت ذاته على أنها وسيلته الوحيدة لمواجهة الحياة ومتطلباتها اليومية.
وساهمت الأوضاع الاقتصادية المتردية في قطاع غزة المحاصر، والتي شهدت تدهوراً لافتاً خلال الفترة الماضية نتيجة تزايد نسب الفقر والبطالة، بفعل عدم انتظام رواتب الموظفين، والمِنح، والمشاريع، في تزايد ظاهرة “البسطات”، وهي طاولات خشبية توضع عليها بضائع متنوعة.
وتكتظ نواصي الطرق والشوارع الرئيسية ومداخل المناطق في القطاع من شماله حتى جنوبه بـ “البسطات” التي أقامها أصحابها كمشاريع صغيرة، في محاولة للتغلب على الظروف الاقتصادية القاسية، والتي أثرت على مختلف نواحي الحياة، كما أثرت على مختلف الشرائح المجتمعية في القطاع المحاصر.
وتتنوع السلع المعروضة على البسطات المنتشرة على نواصي الطرق، والمداخل الرئيسية للشوارع، وأمام المتاجر الكبيرة، والمساجد والمدارس، والعيادات، إذ يبيع أصحابها الملابس، الأدوات المنزلية، التحف والهدايا، المواد الغذائية، الحلويات، السجائر، المشروبات الساخنة والباردة، وغيرها.
أما جاره عمار حلس (35 عاماً) من حي الشجاعية شرقي مدينة غزة ويعيل أسرة مكونة من ستة أفراد إضافة إلى زوجته، فيقول لـ”العربي الجديد”: “كان والدي تاجر جملة، وله محل تجاري في منطقة النصيرات وسط القطاع، إلا أنه أغلق بفعل تردي الأوضاع الاقتصادية”.
ويضيف حلس، والذي يعمل معه شقيقه جهاد ويعيل 6 أفراد أيضاً، وشريكه علاء الذي يعيل كذلك 4 أفراد: “في الكثير من الأحيان نأكل من رأس المال، نتيجة ضعف الحركة الشرائية، إلا أننا مستمرون في العمل، أملاً في تحسّن الأوضاع”.
أما البائع بكر الهيرقلي (28 عاماً) من مدينة غزة، فيصفف عدداً من السلال البلاستيكية على الناصية المقابلة لعيادة “السويدي” التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين “أونروا”، في حيّ النصر شمالي مدينة غزة، وتضم تلك السلال التي تفترش الأرض مختلف المستلزمات المنزلية وأدوات المطبخ.
ويوضح الهيرقلي، والذي يعيل أسرة مكونة من ستة أفراد، أنه لم يركن للتطورات الاقتصادية السيئة التي عصفت بقطاع غزة مؤخراً، وحاول مواجهة متطلبات أسرته بعمله اليومي، مضيفاً: “لا شك في أنه أمر شاق، فأنا يومياً أصفف عشرات السلال، وأنقلها عبر التوكتوك وأعيد تصفيفها يومياً مقابل عائد مادي ضئيل، إلا أننا لا نملك سوى الاستمرار”.
ويشبه حاله حال بائع الفواكه سعيد الحلو، وهو متزوج ولديه خمسة أبناء، إذ يبدأ يومه الساعة الثامنة صباحاً، وينتهي عند الثامنة مساء، يقضيها في تصفيف وبيع مختلف أصناف الفاكهة على مفترق شارع فلسطين وسط مدينة غزة.
ويوضح الحلو لـ”العربي الجديد” أنه فقد محلاته التجارية في حرب 2008، ولم يتمكن من الحصول على التعويض المناسب، الذي يمكنه من العودة مجدداً، ما دفعه إلى البيع على ناصية الشارع، مضيفاً “في أفضل الأحول أحصّل 30 شيقل يومياً” (الدولار 3.5 شيقل).
وارتفعت نسب البطالة والفقر في قطاع غزة المُحاصر بشكل ملحوظ، وغير مسبوق وصل، وفق مختصين ، إلى نحو 60 حتى 80%، بفعل دخول فئات مجتمعية جديدة لشريحة الفقراء، مثل الموظفين وعُمال المصانع والشركات التي أغلقت بفعل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، علاوة على عشرات آلاف الخريجين الشباب من مختلف الجامعات.
وأدى الضعف العام بالحركة التجارية في غزة إلى تناقص لافت في القوة الشرائية بنسبة 30%، ما أثر على انخفاض حجم الواردات إلى القطاع بمعدل النصف من 750 حتى 350 شاحنة، وفق بيان لجمعية رجال الأعمال صدر مؤخراً، والذي لفت كذلك إلى أن “غالبية التجار ورجال الأعمال أصبحوا مهددين بالدخول إلى السجون بفعل عدم مقدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم المالية نتيجة حالة الركود الاقتصادي، خاصة وأن عدد الشيكات المرجعة بلغ حوالي 60 ألف شيك”.
ويساهم التدهور المتواصل في اقتصاد غزة، وتسريح عدد من العاملين في الشركات الكبرى، برفد الشارع بالمزيد من العاطلين عن العمل، ما يضطر نسبة كبيرة منهم للبيع على مفترقات الطرق والأماكن العامة، خاصة من الفئات التي لا تملك أي دخل إضافي يمكنهم من توفير قوت يومهم.
وبلغ عدد العاطلين عن العمل حوالي 230 ألف شخص وعدد الأشخاص الذين يتلقون مساعدات إغاثية من “أونروا” والمؤسسات الإغاثة الدولية والعربية تجاوز أكثر من مليون شخص بنسبة تصل إلى 60% من سكان قطاع غزة.
المصدر: العربي الجديد