غزة تايم – الظروف الاقتصادية السيئة في قطاع غزة لطالما أجبرت وما زالت تجبر الناس على الاستدانة، ثم السجن إذا عجزوا عن الدفع، والنساء لسن بمنأى.
خلال عامي 2017 و2018، ضمت سجون قطاع غزة أشخاصاً سجنوا من أجل لقمة العيش، وقد عجزوا عن تسديد المال للدائنين خلال المدة المتفق عليها، منهم موظفون أو أشخاص عاطلون من العمل.
واللافت أن السجون الغزية تضم نساء غارمات.
يقول الناطق باسم جهاز الشرطة الفلسطيني أيمن البطنيجي، إنه في عام 2017، وصل عدد أوامر السجن الصادرة في غزة، على خلفية عدم تسديد ديون، إلى 98.314 أمراً.
وفي عام 2018، خفف الجهاز الإجراءات لارتباطها بالظروف الاقتصادية السيئة. وفي عام 2019، ساء الوضع الاقتصادي وأصبح هناك غارمات نساء.
داخل أحد السجون في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، كانت أم بلال (42 عاماً) تنتظر أن يغيثها أحد ويُخرجها من السجن، بعدما تخلفت عن دفع ثمن أدوية لزوجها مضى عليها نحو عام وبقيمة نحو 380 دولاراً أميركياً.
في 23 مايو/أيار الماضي، خرجت أم بلال من السجن بعدما كان قد مضى على وجودها أسبوع كامل، وحرمت من قضاء أيام من شهر رمضان مع أبنائها الخمسة في منزلهم في حي السلاطين شمال قطاع غزة، لأنها لم تستطع تدبر المال للصيدلية التي حذرها صاحبها بأنّ تسدد المال قبل ثلاثة أشهر، تحت طائلة تقديم شكوى للشرطة.
وتقول أم بلال لـ”العربي الجديد”: “لم تستطع وزارة الصحة في غزة منح زوجي العاطل من العمل، والبالغ من العمر 55 عاماً والعاجز عن الحركة، العلاج. وأتولى إعالة الأسرة في الوقت الحالي.
استدنت من الصيدلية على أمل السداد بعد تلقي المساعدة من إحدى الجمعيات”. تضيف: “لم تف الجمعية الخيرية بوعودها. وفي النهاية، دخلت السجن مدة أسبوع. ثمّ جاء فاعل خير وتكفل بالمبلغ، وعدت من جديد إلى منزلي الفقير البائس”.
الأزمة الاقتصادية تنهكهما
أم بلال ليست الوحيدة التي دخلت السجن على ذمة قضية مالية. تقول إنها تعرفت على نحو 10 نساء دخلن السجن للسبب نفسه. وقضت أم بشار (39 عاماً)، وهي من حي الزيتون شرق مدينة غزة، عشرة أيام داخل أحد السجون وسط قطاع غزة، بعدما تخلفت عن موعد الدفع لصالح صاحب محل يبيع الأجهزة الكهربائية، بعدما اشترت منه غسالة وثلاجة بنظام التقسيط.
وعلى الرغم من أن زوج أم بشار موظّف يتبع للسلطة الفلسطينية في رام الله، إلا أنه لا يتقاضى سوى 50 في المائة من راتبه، ويسدد قرضاً مصرفياً ولا يبقى من راتبه سوى مبلغ بسيط جداً. ولم يوافق صاحب المحل على بيعه لأنه من أصحاب القروض، فباع الغسالة والثلاجة لزوجته التي تعهدت الالتزام بالدفع شهرياً.
تقول أم بشار لـ”العربي الجديد”: “نسبة كبيرة من موظفي السلطة وحتى حكومة غزة هم أصحاب ديون وقروض، وغالبية أصحاب المحلات والمدينين يحتاجون إلى ضمانات. لذلك، تضطر نساء من الأسر إلى تحمل السداد.
لذلك، يدخلن السجن في حال عدم السداد. الظروف التي نعيشها تعد الأسوأ في القطاع حالياً”. أُفرج عن أم بشار في 22 مايو/أيار الماضي، بعد دفع المبلغ الذي يقدر بألفي شيكل (560 دولاراً أميركياً) من قبل متبرع من خارج قطاع غزة.
تأمين احتياجات الأسرة لم يعد سهلاً
وأطلق الأستاذ الجامعي فهمي شراب حملة لمساعدة الغارمين والغارمات (على وجه الخصوص) في نهاية إبريل/ نيسان الماضي، بهدف الإفراج عنهن.
بداية، أطلق شراب الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما نشر قصصاً شكلت له صدمة في محيطه، لأشخاص قادتهم ظروفهم الاقتصادية إلى السجن.
ويتذكر شراب قصة أحد جيرانه الذي توفي قهراً وحزناً على الرغم من مكانته المجتمعية، إذ إن ظروفه الاقتصادية السيئة دفعته لإغلاق صيدليته، ودخل السجن على ذمة قضية مالية وقد عجز عن توفير المبلغ المطلوب.
ثم اكتشف وجود الكثير من الغارمات أيضاً. يقول لـ”العربي الجديد”: “وجدت نساء في السجون بسبب عدم قدرتهن على سداد أموال استدنّها من أجل العلاج أو تأمين حاجيات للمنزل، وغيرها”.
يضيف: “إنه لأمر صعب أن يعيش الأطفال بعيداً عن أمهاتهم اللواتي دفعتهن ظروفهن إلى السجن. لذلك، استطعنا دفع المال عن 60 امرأة في السجون، وقد أفرج عنهن”.
ويلفت شراب إلى أنه استطاع تأمين مبالغ للرجال، منهم شبان ومسنون وصل عددهم إلى نحو ألف سجين. ويحصل على المال من متبرعين فلسطينيين في الداخل والخارج، إضافة إلى عرب يعيشون في دول عربية وأوروبية.
يضيف: “كثيرون تبرعوا لأن المبادرة شخصية. ولا يثق كثيرون بالمؤسسات والجمعيات. لكن اليوم، استطعت بالتعاون مع الشرطة في غزة، إخراج السجناء الأشد فقراً”.