غزة تايم – “للأسف، مظاهر كثيرة اختفت في أعيادنا خلال السنوات الأخيرة”، بهذه الكلمات بدأت السيّدة ميسون عوض من المحافظة الوسطى بقطاع غزة حديثها، بعد سؤالها عن “أجواء العيد” هذا العام، في القطاع، مُعللةً أن “الظروف الصعبة التي يعيشها الناس غيّبت معظم مظاهر العيد، حتى بات روتينًا وتظاهرًا بالفرح”.
وأضافت ميسون (38 عاماً)، أنه “حتى الزيارات اقتصرت على أقرب المقربين في ظل الظروف الاقتصادية المتردية”، وتابعت “نتظاهر بالفرحة من أجل صغارنا، ونحاول بكل الطرق توفير ملابس العيد والعيديات لهم، وهذا أبسط حقوقهم، فرغم المعاناة من حقهم أن يعيشوا طفولتهم وأجواء العيد”.
أم محمد المقيد، من شمال القطاع، اتفقت مع سابقتها، فقالت “مهما كان الوضع المادي للعائلة، لا بد من أن تحاول إسعاد أطفالها بالعيد، وجعلهم يعيشون طقوسه، فالملابس يمكن إيجاد الأسعار المناسبة منها، أما الخروج من المنزل خلال العيد فيمكن أن يقتصر على تبادل الزيارات بين الأقارب، لأنها أقل كُلفة”.
وقالت السيدة أم محمد إن “العيديّات قلّت بشكل كبير بطبيعة الحال، نظرًا لصعوبة الظروف المُعاشة، سيّما بعد إجراءات السلطة الفلسطينية”.
يُذكر أنّ عيد الفطر هذا العام، يأتي في ظل استمرار الإجراءات العقابية التي تفرضها السلطة على أهالي قطاع غزة، منذ مارس 2017، والتي طالت الخصم من رواتب الموظفين كافة، فضلًا عن قطع رواتب آلاف وإحالة آلاف آخرين إلى التقاعد المبكر القسري، كما شملت الإجراءات قطاعات أخرى حيوية من حياة المواطنين، الكهرباء والعلاج. يُضاف إلى هذا جُملة من الأزمات التي يتسبّب بها الحصار “الإسرائيلي” للقطاع، والمستمر منذ نحو 13 عامًا، وما أسفر عنه من تداعيات، فاقمتها عدّة اعتداءات صهيونية شنّها الاحتلال على غزة.
المواطن بلال، الذي اشترط ذكر اسمه الأول قبل إبداء رأيه، قال: ربّما لم تمرّ غزة بمثل هذه الظروف الصعبة من قبل، وتقريبًا لم يمرّ على الناس وقتٌ عاشوا فيه مثل هذا القدر من تردّي الأوضاع الاقتصادية، وهذا كلّه ينعكس على مجمل حياتهم، ومنها المناسبات المختلفة.
وأضاف الشاب الثلاثيني “أسعدتُ أطفالي بملابس العيد، لكن نحن لا نرى ما يُسعدنا، فالحالة ضنكٌ منذ سنوات، والوضع السياسي بات المُتحكّم بحياتنا، ففي اليوم الذي لا يكون فيه تصعيد إسرائيلي، يسقط شهداء في مسيرات العودة، أو تهلّ علينا قرارات جديدة بالخصم من رواتبنا أكثر وأكثر”.
وختم بلال، وهو أبٌ لطفليْن، قوله “نأمل أن يكون العيد فرصة كي يشعر بنا السياسيون، ويروا كيف بات حال البلد، وأن يكفّوا عن إغماض عيونهم عن معاناة الناس”.
الفتى أحمد، الذي تسلّم منذ أيّام شهادته المدرسية، بتقدير امتياز، لم يبدُ فرحًا بالعيد كما هو المفترض، فحديثه “للهدف” افتقر الحماس والسعادة التي عادةً ما تظهر في وجوه وصوت وحديث الأطفال عشية العيد.
قال أحمد “عادي، ها أنا ألبس ملابس جديدة، ويقولون أن اليوم عيد، لكن أنا لا أرى أية مظاهر لهذا العيد”، ورغم بساطة حديثه عن “الوضع السياسي”، أبدى الفتى استياءه من الحال الذي وصل إليه قطاع غزة، بفعل السياسة، التي قال إنها “سبب كل البلاوي”. كما نال “خسف العيديات” نصيبًا من هذا الاستياء.
أمّا إيناس، فاختصرت حديثها بالقول “مهما تكن الأوضاع افرحوا، وأشيعوا الفرح بين أهليكم وأبنائكم وأرحامكم وأصدقائكم وجيرانكم”.
لكن يبدو الأمر ليس بهذه البساطة، عند باسمة جهاد، التي قالت: سيمرّ العيد كسابِقه، لكن ربّما هذا العام الأوضاع أشدّ قسوةً على الأهالي، سيّما المتقاعدين، ومن طالت الخصومات رواتبهم، فلم يعودوا قادرين على تلبية حاجات عائلاتهم وأطفالهم”.
وأضافت “بعض الموظفون الذين أحالتهم السلطة إلى التقاعد الإجباري، وأولئك الذين خصمت من رواتبهم أكثر من النصف، بالكاد تمكّنوا من شراء ملابس جديدة للعيد، لأطفالهم، وحتى الصغار منهم فقط، هؤلاء الذين لا ذنب لهم فيما نعيشه من ظروف اقتصادية كارثية، ولابد أن نجعلهم يعيشون العيد وأجواءه”.
مريم محمد، آثرت البقاء على قدرٍ من التفاؤل، واستثمار طقوس العيد بكلّ ما فيها، من عاداتٍ تتصل بشراء الملابس والخروج للتنزه والتزاور، وتبادل العيديّات، وقالت: أفرح عندما يكون أطفالي سعداء، ابتعتُ لهم الملابس، وسنخرج في أيام العيد، وسأحاول إسعادهم بقدر الإمكان. وبهذه الكلمات ختمت مريم حديثها.
وعلى شاكلة مريم، الكثير من الأشخاص الذين يفضّلون استثمار “كل فرصة فرَح”، للخروج من الحالة النفسية السلبية التي تزجّ ظروفُ البلد الناسَ فيها غصبًا، فيكون العيد لهؤلاء بمثابة مُتنفّس من الأزمات المتفاقمة التي تعصف بقطاع غزة، وما تنفكّ تتفاقم، دون أيّة آفاقٍ لحلولٍ حقيقيّة توقف نزيف معاناة الأهالي.
المصدر: بوابة الهدف