تقدم خطة الكهرباء الجديدة في لبنان رؤية طويلة المدى للقطاع، وتتضمن مبادرات إصلاحية على مدى 5 سنوات لتوفير خدمة الكهرباء للمواطنين بتكلفة معقولة وبطريقة مستدامة وصديقة للبيئة.
وتفصل الخطة، التي تقترح شراكة مع القطاع الخاص، لبناء 3 محطات حرارية جديدة (في الزهراني وسلعاتا ودير عمار)، والاستفادة من الطاقة المتجددة.
وكان مجلس الوزراء اللبناني قد وافق في البداية على خطة الكهرباء بعد الالتزام بضرورة تطبيق القانون وتنظيم القطاع فوراً، لا سيما فيما يتعلق بتشكيل الهيئة الرقابية وتسمية أعضائها وفق المعايير الدولية، وتأليف لجنة وزارية مكلفة بمراجعة قانون تنظيم قطاع الكهرباء.
“استنساخ المخططات القديمة”
اتفق مراقبو قطاع الطاقة والكهرباء بالإجماع على أن الخطة الجديدة لا تضيف الكثير للخطط السابقة.
ويرى المهندس الخبير في شؤون الطاقة الدكتور نضال الشرتوني أن “الخطة لم تقدم أي حل لمشكلة الكهرباء في البلاد”.
وأوضح الشرتوني أن “خطة الكهرباء هذه لم تخرج عن السياق العام للمخططات القديمة منذ عام 1992 والتي لم تصل إلى نتائجها الناجحة في حل مشكلة الكهرباء رغم إهدار عشرات المليارات من الدولارات”.
وأضاف، في تصريح، أن “الحصول على الكهرباء من الأردن، والغاز الطبيعي من مصر، لتشغيل معمل دير عمار للحصول على 4-6 ساعات من الكهرباء، مرتبط بقرار أمريكي مباشر، ومن خلال صندوق النقد الدولي لتمويل هذه الصفقة”.
وأشار إلى أن “هناك شروط وأسعار مستحيلة سيدفعها الجانب اللبناني سياسياً وإدارياً لتمويل هذه الصفقة”.
وأوضح الشرتوني أن “الخطة الجديدة تقترح شراكة مع القطاع الخاص في قطاع الكهرباء، وتقنعنا أن هذه الشراكة هي مفتاح خلاص لبنان، علمًا أن التجارب العالمية تشير إلى فشل الشراكة”.
وتابع: “حذر صندوق النقد الدولي في تقريره 2018 من المخاطر المالية للشراكة مع القطاع الخاص، ووصف ديوان المحاسبة الفرنسي الشراكة في 2014 بأنها قنبلة موقوتة. في حين أن تقرير المحكمة الأوروبية حذر مراقبو الحسابات 2018 من الشراكة بين القطاعين العام والخاص”.
وحول الهيئة المنظمة لقطاع الكهرباء علق خبير الطاقة، قائلًا إنها “شرط أساسي لشروط صندوق النقد الدولي لبيع قطاع الكهرباء. تجربة لبنان في الهيئات التنظيمية مريرة”.
وأضاف أن “الهيئة التي تنظم قطاع البترول خرقت بشكل صارخ في مرسومها التنفيذي قانون الاستثمار الصادر عن مجلس النواب، وباعت القطاع إلى الزمرة الحاكمة. فكفى من سرقة الهيئات المنظمة وتبديد آمال اللبنانيين”.
وتساءل الشرتوني: لماذا لا تدفع كل مؤسسات الدولة ورجال السلطة والمؤسسات الدينية فواتير الكهرباء؟
واعتبر أن “الخطة الجديدة للكهرباء لم تذكر شيئًا عن مؤسسة كهرباء لبنان الفاشلة والمفلسة، وكيفية تطويرها إداريًا وفنيا لتتحمل مسؤولياتها في هذه الظروف الصعبة، وتكون مؤهلة للشراكة مع القطاع الخاص”.
وأضاف: “نظام العدادات الذكية المشار إليه في الخطة يساعد على التحكم في قطاع الكهرباء بشكل متقدم، لكن هذا المشروع لا جدوى منه لعدم وجود مراكز للتحكم في هذه العدادات”.
“حماية المجتمع أولاً”
بدوره ، قال الصحفي الاقتصادي والناشر ورئيس تحرير موقع “ليب إيكونومي”، ألفونس ديب، إنه “لا يمكن النظر إلى قطاع الكهرباء بمعزل عن جميع الأزمات التي تحدث”.
وأضاف ديب: “لا يمكن النهوض بأي قطاع دون وضع خطة إنعاش شاملة ومتكاملة ومتشابكة للنهوض بجميع القطاعات وحماية المجتمع”.
وأشار، في تصريح إلى أنه “ليس من الصواب إعادة بناء البلد البالي قطعة قطعة، فالاقتصاد يعمل في انسجام في إطار الخطط لجميع القطاعات التي تسير بالتوازي مع بعضها البعض ضمن الخطة الشاملة والمتكاملة “.
وأضاف: إن زيادة التعرفة في خطة الكهرباء لتصبح 500 ألف ليرة شهرياً لكل 5 أمبير أمر ضروري للغاية، لكن لا يجوز اللجوء إليها قبل اتخاذ خطوات إصلاحية تشكل مظلة حماية للمواطن الفقير. لقد أفلس الناس ولا يستطيعون تحمل أعباء إضافية”.
وتساءل المتحدث نفسه: “لماذا لا يدفع النازحون السوريون واللاجئون الفلسطينيون فاتورة الكهرباء واللبنانيون المفلسون يدفعون الفاتورة كاملة؟”
وشدد على أنه “يجب أولاً إعادة هيكلة شركة كهرباء لبنان فيما يتعلق بحجم الوظائف والأعمال، والاستجابة للمطالب الدولية والمنطقية في تشكيل هيئة تنظيم الكهرباء”.
وأضاف: “يجب أن يكون هذا القطاع خالياً من الفساد وسوء الإدارة والتنظيم حتى يكون منتجاً ومربحاً”.
جدير بالذكر أن لبنان توصل مع الأردن وسوريا، في تشرين الأول من العام الماضي، إلى اتفاق نهائي لنقل الكهرباء إلى لبنان.
وستوفر الاتفاقية للبنان نحو 150 ميغاواط من منتصف الليل حتى السادسة صباحًا بالتوقيت المحلي، و250 ميغاواط على مدار اليوم، أي ما يعادل حوالي ساعتين كاملتين من استهلاك الكهرباء.
ويعاني هذا البلد من أزمة طاقة خانقة نجمت عن انهيار اقتصادي غير مسبوق خلال العامين الماضيين طالت كافة القطاعات.