غزة تايم – “مش راح اشتري منك بطيخ، مرة ثانية، هذا وعد”. هكذا عاتبت السيدة عايدة عيسى (48 عامًا)، بائع فواكه في سوق معسكر جباليا شمال غزة.
في المرة الماضية، استجابت عايدة لنداء البائع، “على مسؤوليتي يا عايدة، بطيخ عسل”، لكن بعد غداء اليوم ذاته، شقّت السيدة البطيخة، والتقط أولادها قطعًا لـلتحلية، قالوا: “شو هذا يمّا، لا هو معروف خيار ولا بطيخ، تشتريش بطيخ كلو ضارب خلص”، وأعادوا قطع البطيخ دون أكلها.
هذا الحديث روتّه عايدة لنا خلال معاتبتها البائع الذي اشترت منه البطيخة التي “لا علاقة لطعمها بالبطيخ” وفق تعبيرها. فيما أسهب البائع في تطييب خاطر عايدة التي هي من زبائنه، شارحًا لها بأنه “مصدوم” أيضًا من أن البطيخة لم تكن جيدة.
هذه الحادثة لم تكن الأولى بين عايدة والبائع، وفي كل مرة كانت تعود إليه وتلقى الرد ذاته الذي يجري على ألسنة الباعة جميعًا: “والله من أحسن بطيخ في السوق بجيب”.
استغراب عائلة عيسى من مذاق البطيخ الذي يعد “أشهى فاكهة صيفية” -بالنسبة لكثير من الفلسطينيين- ينسحب أيضًا على المزاج الشعبي العام في غزة، بينما يتكرر التساؤل: “أين ذهب مذاق بطيخ أيام زمان؟”.
يقول يحيى قصيعة (52 عامًا)، “زمان، كان حجم وشكل البطيخة معيارًا رئيسيًا في معرفة البطيخة الجيدة والحلوة عن الأخرى، أما اليوم فقد تحول الحجم إلى مصيدة”.
طعم البطيخ كان غريبًا في موسمه هذه السنة، وبشهادة مواطنين أصبح الطعم قريبًا جدًا من الخيار أو القرع على حدَ وصفهم، أما الشكل، فكان قريبًا إلى حدٍ كبير من القرع.
تواصلنا مع المزارع المختص، عرفات قاسم (29 عامًا)، فأكد لنا من جانبه شهادات الناس، وعلل هذا التغير في الطعم، بتوجه المزارعين لزراعة شتلة “البطيخ المركب”، عبر دمج شتلة البطيخ مع شتلة القرع، فينتج البطيخ المركب، بحجم قريب من القرع وشكل البطيخ، ومذاق مختلفٍ تمامًا عن شتلة البطيخ الأصلية، التي لم تعد تزرع إلا بنسبة قليلة.
هذه العملية، ينتج عنها -وفق المزارع قاسم- “تداخلٌ في أنسجة وتكوينات الثمرة”. ويقول: “إذا رقعنا شتلة بمكونات مختلفة مع شتلة أخرى، سينعكس بشكل مؤكد، على المذاق، ويغير في خصائص الثمرة”.
ويضيف قاسم، “الشكل الداخلي للبطيخ المركب عادة تميل قشرته وبعض أليافه الداخلية للصفرة، في حين أنها تكون في البطيخ العادي بيضاء وأليافها الداخلية متناسقة باللون نفسه”.
يشرح المزارع دمج شتلة البطيخ مع القرع قائلاً: “يجري قص إحدى سيقان شتلة البطيخ، ولحمها بشتلة القرع، بطريقة اختصاصية، عادة ما يقوم بها مهندسون زراعيون أو مزارعون مختصون”.
shareيلجأ مزارعو غزة إلى شتلة البطيخ المركب لأنها لا تحتاج ربع ما يحتاجه البطيخ العادي
ويُعلل قاسم توجه المزارعين في غزة لزراعة شتلة البطيخ المركب بأن هذه الطريقة “أقل تكلفة وأكثر ضمانة في النجاح وتحقيق الأرباح”، مبينًا أن زراعة البطيخ العادي “تحتاج لعناية خاصة ومكثفة، مع وجود احتمالات بالخسارة إن لم تتلقًّ عناية مكثفة، على عكس شتلة البطيخ المركب، التي لا تحتاج ربع ما يحتاجه البطيخ العادي”.
مثلاً، تحتاج زراعة مساحة دونم (ألف متر مربع) -وفق المزارع قاسم- إلى 120 شتلة من البطيخ المركب، في حين يحتاج المزارع، ما يزيد أو يقارب الـ 1500 شتلة من البطيخ العادي، بالإضافة إلى عناية خاصة، ومبيدات وأدوية زراعية، إضافة إلى المياه المطلوبة للري.
نقلنا إلى وزارة الزراعة امتعاض الناس، وفق الشهادات التي وردت إلينا، وانتقادات المزارعين التي على رأسها أن الوزارة “لا تهتم إلا بالناتج العام والإيرادات الموسمية التي تحصلها من المزارعين”.
يقول المهندس في وزارة الزراعة أدهم البسيوني، إن تركيب شتلة البطيخ على القرع “لا يؤثر أبدًا على مذاق البطيخ”، مبينًا أن هذه العملية تُشرف عليها الوزارة عبر طاقم مختص مع المزارعين، “وتعمل على إتمامها بشكلٍ جيد ومؤهل لحمل بطيخ مناسب”. ويُضيف، “موسم البطيخ لهذا العام كان جيّدًا وناجحًا”.
وأرجع البسيوني مذاق البطيخ غير الجيد إلى “ظروف التخزين والبيع التي يُمكن أن تخرّب مذاقه، إن لم تكن مناسبة” كما قال.
وأمام هذا التضارب في الرأي بين المزارعين والوزارة حول أسباب “المذاق السيء”، يقترح قاسم معادلة جديدة بأن يعود المزارعون لزراعة البطيخ العادي والمحافظة على جودة المنتج، عبر توفير كافة مستلزماته من أدوية وغيره، وضمان نجاحه، وطرحه في الأسواق بسعر يحفظ المزارع من الخسارة، ويضمن للمستهلك الجودة.
يُضيف، “مثلاً بدل أن يكون سعر وزن 15 كغم، 10 شواكل، يُصبح سعر 6 أو 7 كغم، 10 شواكل، وبهذا يأكل المواطن ويهنأ هو والمزارع، مؤكدًا أن توجه المزارعين إلى تركيب البطيخ على القرع أسبابه “حسابات الربح والخسارة” فقط.
وكان خبراء زراعيون أكدوا أن موسم البطيخ هذه السنة تميز بتفوقه على السنوات الماضية من حيث وفرة الإنتاج.