غزة تايم – أنقذ باسم أبو عبيد، صديقه المصاب، من ساحة المواجهات في غزة، لكنّه تلقى رصاصة في قدمه حولت مجرى حياته بالكامل، وإن لم تثنه عن العودة إلى عمله.
على دوار النجمة في مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة، يشاهد المارة سائق “توك توك” يعمل في مجال النقليات مبتور القدم. مع ذلك، يحمل البضائع لوضعها في عربة الـ”توك توك” قافزاً على قدمه الباقية، بعدما خسر قدمه برصاصة قناص محتل على الحدود الشرقية لمدينته خلال مسيرات العودة.
لدى العامل، باسم جمال أبو عبيد (33 عاماً) ثلاثة أطفال؛ سما (11 عاماً) وجمال (9 أعوام) وابتسام (4 أعوام) وهو من قرية يبنا المحتلة عام 1948، ويعيش في رفح. وكان يعمل نجاراً في أحد المصانع في غزة على مدار سبع سنوات، لكنّه توقف عن العمل منذ خمس سنوات لسوء الظروف الاقتصادية. وبعد عام من البطالة، بدأ في عمله الحالي في النقليات بواسطة الـ”توك توك”.
كان من المشاركين في مسيرات العودة السلمية منذ بدايتها العام الماضي، لكنّ حياته انقلبت بعدما بُترت ساقه اليسرى. يقول لـ”العربي الجديد”: “كنت أشارك في مسيرات العودة وأنقل بعض الأغراض إلى نقطة الخيام، كما أنقل عجلات السيارات التي يحرقها المتظاهرون، لكن، بنتيجة الانتهاكات الإسرائيلية المكثفة تراجعت عن الاقتراب الى نقطة المواجهة بين المتظاهرين والاحتلال لأنّها باتت خطرة”.
في تاريخ 29 يونيو/ حزيران 2018، دخل صديق أبو عبيد، وهو كريم السحو، إلى نقطة الاشتباك بين المتظاهرين وجيش الاحتلال بالقرب من البرج الأحمر، شرقي مدينة رفح، وكان ينادي عليه لعدم الاقتراب من السلك لكن لم تمضِ دقيقة واحدة حتى أطلقت النار على السحو وأصيب وبقي في مكانه، فلم يتمكن المسعفون أو المواطنون من الوصول إليه، لكنّ أبو عبيد تجرأ ومضى إليه. بدأ يجري ليسعف صديقه، لكنّه في الوقت نفسه وجد أنّ جندي الاحتلال لا يبعد عنه أكثر من أمتار، وبنتيجة الغضب على صديقه أمسك قطعة حديد وألقاها باتجاه الجندي الإسرائيلي وشتمه وهو ينظر إلى صديقه ينزف بشدة، لكن عندما أسعف صديقه وأوصله إلى المسعفين، أصيب بطلق ناري متفجر في قدمه التي شعر فيها بحرارة هائلة قبل أن يغيب عن الوعي.
بقي أبو عبيد 48 يوماً في “المستشفى الأوروبي” جنوبي القطاع، يتلقى علاجاً مكثفاً، لكن من دون جدوى. حاول التقدم للحصول على تحويلة طبية إلى الخارج ولم يستجب أحد له، لكن بعد تقديمه مناشدات على مواقع التواصل الاجتماعي استجابت وزارة الصحة في غزة له، وسافر للعلاج في مستشفى “الهرم” في العاصمة المصرية القاهرة. جاء عمه إليه من محل إقامته في رومانيا، وبالرغم من كلّ محاولات عمه لإحضار أطباء ذوي خبرة، كانوا يفشلون في إيجاد حلّ لعلاج ساقه، وأخبروه أنّ الطلقة التي أصابت قدمه ملوثة بالإشعاعات وقد قتلت خلايا القدم والأعصاب، وهنا قرروا بترها في منتصف شهر سبتمبر/ أيلول الماضي.
يقول أبو عبيد: “من شدة الألم، كنت أقول للأطباء: اقطعوها كلّها. وأجريت العملية، وبترت ساقي من فوق الركبة، وعندما علمت زوجتي ووالدي ووالدتي أصيبوا بالحزن الشديد، وبكى والدي جمال البالغ من العمر 60 عاماً، وهنا شعرت بالضيق أكثر من فقدان ساقي، وبقيت شهرين في المستشفى المصري، للعلاج الطبيعي، ثم عدت إلى غزة”.
وجد أبو عبيد معاناة كبيرة في الحصول على علاج طبيعي في غزة، وكان يومياً يتوجه من مدينة رفح الى مدينة غزة بهذا الهدف. لم يكن يملك ثمن المواصلات حتى، فحصل على مساعدة مالية شهرية بقيمة 170 دولاراً أميركياً، لكنها قطعت عنه بعد شهرين من تلقيه لها، وكان يعتمد على المسكنات فقط نظراً لعدم توافر أدوية أخرى مساعدة.
قرر أبو عبيد، في نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي العودة إلى العمل على الـ”توك توك” للنقليات، في ظلّ حاجة أسرته. أخبر جميع زبائنه أنّه عاد، وعندما يستفسرون عن تأثير إصابته يخبرهم أنّه في حالة جيدة، وما زال يتمتع بالقوة اللازمة.
يقول أبو عبيد: “البعض يفهم وضعي ولماذا أعمل بالرغم من إصابتي، والبعض ينظر إليّ بشفقة، وهنا أشعر بحسرة كبيرة داخلي. أعلم أنّي يجب أن أتوقف عن العمل إلى حين تركيب طرف اصطناعي لي، لكنّني من جهة أخرى أحتاج مع أسرتي للمال، وأشعر بضيق كبير إن لم أتمكن من تلبية احتياجات أطفالي”.
كان أبو عبيد يلعب كرة القدم في الملاعب الشعبية وينافس في دوريات الحارات في رفح كما يصفها، لكنّه اليوم يحلم في أن يحصل على طرف صناعي يتيح له التنقل والعمل من دون إلحاق الأذى بقدمه المبتورة وكذلك الباقية. لا يتمنى الحصول عليه مما يجري تصنيعه في غزة، فهي رديئة بالمقارنة مع الأطراف التي تصنع في الخارج، كما يقول.
المصدر: العربي الجديد