نتنياهو يُهندس التهجير.. باسم “الإنسانية”
في زمن الحرب، تصبح بعض المصطلحات أخطر من الرصاص. فحين يتحدث قادة الاحتلال عن “مدينة إنسانية آمنة” في رفح، لا يسعنا سوى أن نطرح السؤال الحتمي: هل نحن أمام ملاذ حقيقي للنازحين؟ أم أننا نشهد حلقة جديدة من مسلسل التهجير القسري، مغلّف بلغة إنسانية مخاتلة تُخفي خلفها مخططات تغيير ديموغرافي وجغرافي طويل الأمد؟
في هذا التقرير، نستعرض ما يُعرف حتى الآن عن هذا المشروع الغامض، ونغوص في تفاصيله الإنسانية، القانونية، والسياسية، وسط تساؤلات مشروعة عن أهداف إسرائيل الحقيقية من ورائه.
ما هي “المدينة الإنسانية الآمنة” التي تتحدث عنها إسرائيل؟
في ظل تسارع الأحداث وتزايد الضربات الجوية على قطاع غزة، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن إنشاء ما وصفه بـ “مدينة إنسانية آمنة” في أقصى جنوب رفح، تكون مخصصة للمدنيين كملاذ من القصف والاشتباكات.
بحسب الرواية الإسرائيلية الرسمية، فإن هذه المدينة ستكون:
-
منطقة مغلقة مؤقتة، تُقام على أراضٍ قريبة من الحدود.
-
مزوّدة بخيام ومرافق طوارئ (مياه، كهرباء، صرف صحي).
-
تُدار -وفق التصور الإسرائيلي- عبر منظمات دولية غير مسمّاة، وبتمويل خارجي.
لكن الميدان يقول عكس ذلك. فالصور القادمة من جنوب غزة لا تُظهر إلا:
-
طوابير نزوح مرعبة.
-
عائلات تُجبر على الفرار تحت النار دون أي وجهة واضحة.
-
انعدام كامل للبنية التحتية أو أي تجهيز يشير إلى وجود “مدينة” قيد البناء.
تحليل أولي: المدينة الآمنة حتى الآن هي مجرد كذبة دعائية، تُستخدم لشرعنة جرائم تهجير قسري ممنهج.
التوقيت الحرج: لماذا يُعلن نتنياهو عن هذه المدينة الآن؟
التاريخ لا يرحم، والتوقيت دومًا يحمل دلالات لا يمكن تجاهلها. إعلان المدينة جاء في سياق شديد الحساسية، تحكمه ثلاثة عوامل محورية:
-
الضغط الدولي المتزايد بعد المجازر المتكررة في رفح، التي جعلت إسرائيل في مرمى الاتهام العالمي بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
-
تعثر مفاوضات التهدئة مع المقاومة الفلسطينية، ما زاد من تعقيد المشهد الميداني والسياسي.
-
سعي إسرائيل للسيطرة الكاملة على رفح، باعتبارها آخر نقطة تجمع كثيف للفلسطينيين، وأحد أبرز معاقل الفصائل المقاومة.
الهدف الحقيقي من “المدينة”؟
تحييد المدنيين عبر إجبارهم على ترك رفح، لفتح الطريق أمام اجتياح دموي واسع يُسوّق للعالم على أنه “عملية إنقاذ إنساني”، وليس تطهيرًا عرقيًا.
التهجير القسري… حين تصبح “الرحمة” أداة للخراب
تقرير هيومن رايتس ووتش وأطباء بلا حدود أكدا أن ما يجري في رفح لا علاقة له بحماية المدنيين، بل هو:
-
استخدام مباشر للقصف كسلاح تهجير.
-
غياب أي بدائل آمنة أو ممرات إنسانية حقيقية.
-
عدم وجود إشراف أممي فعّال يضمن الحد الأدنى من الحماية.
وما يزيد الصورة قتامة أن الناس لا يُنقلون إلى المدينة – بل يُقذفون نحوها بفعل الرعب والجوع والقصف.
“المدينة الإنسانية” في حقيقتها الحالية ليست سوى فخ هندسي ديمغرافي، يُراد منه خلق واقع جديد بالقوة، لا يعود فيه السكان إلى منازلهم أبدًا.
المواقف الفلسطينية والدولية: الرفض سيد الموقف
الموقف الفلسطيني:
-
المقاومة: تعتبر المشروع “نكبة حديثة بثوب إنساني”، وتؤكد أن الهدف هو تفريغ غزة من سكانها لا أكثر.
-
السلطة الفلسطينية: وصفت المبادرة بـ”الخدعة السياسية”، واعتبرتها جزءًا من خطة تهجير قسري أكبر.
الموقف الدولي:
-
الولايات المتحدة: أبدت “تفهمًا مشروطًا”، لكنها لم تعلن رفضًا صريحًا، مما يثير المخاوف من تواطؤ صامت.
-
الأمم المتحدة: لم تمنح أي موافقة رسمية، فيما حذّرت المفوضية السامية من تغييرات ديمغرافية قسرية في القطاع.
مخالفات صريحة للقانون الدولي الإنساني
مشروع المدينة يتصادم بشكل مباشر مع مبادئ القانون الدولي واتفاقيات جنيف، التي تنص على:
-
منع التهجير القسري للسكان المدنيين، حتى في زمن الحرب.
-
وجوب تأمين حق العودة إلى الديار الأصلية.
-
منع فرض تغييرات ديمغرافية باستخدام القوة العسكرية أو الضغط السياسي.
أي إنشاء لمناطق عازلة دون إشراف دولي، ودون رضى السكان، يُعد انتهاكًا صريحًا وقد يرقى إلى جريمة حرب.
إلى أين يمكن أن تصل الأمور؟ سيناريوهات مرعبة تلوح بالأفق
مع استمرار غموض الموقف الدولي وتراجع الرقابة الإنسانية، فإن السيناريوهات المحتملة تشمل:
-
تحويل المدينة إلى أمر واقع ومنع السكان لاحقًا من العودة لمناطقهم.
-
استخدامها كورقة تفاوض في صفقة تبادل أسرى أو وقف إطلاق نار، دون ضمانات.
-
فرض المدينة كحل دائم في إطار تسوية سياسية على حساب الوجود الفلسطيني في غزة.
الدرس الفلسطيني المستخلص من النكبة الأولى يقول:
“كل تهجير يبدأ مؤقتًا.. لكنه قد يتحول إلى دائم إذا سُكت عنه.”
خاتمة غزة تايم: بين الكلمات الناعمة والمخططات القاسية
“المدينة الإنسانية” التي تُقام فوق الركام وتحت القصف، لا تنقذ أرواحًا، بل تسرق التاريخ والجغرافيا معًا.
ما يُبنى بالدم لا يمكن تسويقه كإنقاذ، وما يُفرض بالقوة لا يمكن أن يُسمّى حماية.
هذه ليست مدينة للناجين، بل خريطة جديدة تُرسم بالبارود والنفاق الدبلوماسي.
في غزة، حيث الذكرى لا تموت، يُدرك الفلسطيني جيدًا أن “الرحمة” عندما تأتي من فوهة بندقية، فغالبًا ما تكون طريقًا إلى النكبة.
📢غزة تايم توافيكم اخر المستجدات كونو معنا