في “يومهن العالمي”.. نساء غزة بين أنقاض الحرب ومعركة البقاء

Ahmed Ali8 مارس 2025
في "يومهن العالمي".. نساء غزة بين أنقاض الحرب ومعركة البقاء
في "يومهن العالمي".. نساء غزة بين أنقاض الحرب ومعركة البقاء

رغم انحسار الإبادة الجماعية التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي على مدى 16 شهراً، إلا أن نضال المرأة الفلسطينية في قطاع غزة من أجل إبقاء أسرتها على قيد الحياة لم يتوقف، وسط الظروف الإنسانية المأساوية التي خلقتها الحرب والتي أعادت تشكيل دورها بشكل كامل.

ويتزامن ذلك مع يوم المرأة العالمي الذي يوافق الثامن من مارس من كل عام، حيث ترتفع شعارات حقوق المرأة عالمياً، بينما تخوض المرأة الفلسطينية في غزة معركة البقاء وسط الدمار والمعاناة التي خلفتها الإبادة الجماعية، في مفارقة تعكس الفجوة الصارخة بين واقع نضالات المرأة العالمية وقضايا المرأة الفلسطينية بشكل عام والمرأة الغزية بشكل خاص.

إن انتهاك الاحتلال الإسرائيلي الكامل لحقوق المرأة طيلة أشهر من الإبادة الجماعية في غزة وارتكاب جرائم مروعة ضدها، دفع خبراء الأمم المتحدة وحقوق الإنسان في فبراير/شباط الماضي إلى إدخال مصطلح “إبادة الإناث” لوصف الفظائع التي ارتكبت ضدهن.

وأيدت هذا المصطلح المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف ضد المرأة والفتيات ريم السالم، التي قالت للأناضول حينها إن “اعتداءات إسرائيل على النساء الفلسطينيات هي جزء من استراتيجية إبادة ممنهجة”.

خلال مجزرة الإبادة التي ارتكبتها في غزة، قتلت قوات الاحتلال نحو 12316 امرأة فلسطينية، بحسب آخر إحصائية صادرة عن مكتب الإعلام الحكومي في القطاع.

الانتهاكات خلال مجزرة الإبادة

منذ بدء مجزرة الإبادة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وحتى دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى حيز التنفيذ في 19 يناير/كانون الثاني، واجهت النساء الفلسطينيات تحديات كبيرة منعتهنّ من استعادة حياتهن كما كانت.

ودفعت النساء والأطفال الثمن الأكبر لهذه الحرب، حيث شكلن معاً 70% من إجمالي عدد الشهداء، الذي بلغ 46960 حتى 19 يناير/كانون الثاني.

ووفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش، فإن عدد الشهداء الذي نشرته وزارة الصحة في غزة خلال الإبادة الجماعية لا يشمل الوفيات بسبب المرض أو المدفونين تحت الأنقاض، حيث قدرت أن 70% من إجمالي الوفيات، التي بلغت نحو 8200 حالة حتى سبتمبر/أيلول 2024، من النساء والأطفال، مشيرة إلى أن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تأكد من دقتها.

وفي الوقت نفسه، قالت المسؤولة الأممية ماريز جيليمون للصحافيين في نيويورك عبر الفيديو من القدس، في 18 يوليو/تموز 2024، إن أكثر من 6 آلاف أسرة فلسطينية فقدت أمهاتها حتى الآن.

وكانت منظمات حقوق الإنسان قد قالت إن الظروف المأساوية الناجمة عن الإبادة الجماعية، بما في ذلك انتشار الأمراض المعدية والإصابات الخطيرة، زادت من عدد القتلى بين الفلسطينيين في غزة.

وشكلت النساء والأطفال ما نسبته 69% من إجمالي عدد الجرحى البالغ 110725 جريحاً خلال أشهر الإبادة الجماعية، بحسب تقرير لرئيسة الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني علا عوض، استعرضت فيه أوضاع المرأة الفلسطينية عشية يوم المرأة العالمي.

وأشار التقرير إلى أن 70% من المفقودين في قطاع غزة، والذين بلغ عددهم حتى 18 يناير/كانون الثاني 14222 جريحاً نتيجة الإبادة الجماعية، هم من الأطفال والنساء، بحسب التقرير.

وأجبرت الحرب مليوني إنسان، نصفهم من النساء، على الفرار من منازلهم هرباً من جحيم الغارات الإسرائيلية، في حين تعرضت عشرات النساء الفلسطينيات للاعتقال والتعذيب والإهمال الطبي.

الحمل أثناء الإبادة الجماعية

وفقا لأحدث إحصائيات مكتب الإعلام الحكومي في غزة، فإن قطاع غزة يضم نحو 60 ألف امرأة حامل حتى 21 يناير/كانون الثاني، قلن إنهن معرضات للخطر بسبب نقص الرعاية الصحية.

هذا ما أكدته هيومن رايتس ووتش في تقرير نشرته عن الوضع في الأراضي الفلسطينية خلال عام 2024، حيث قالت إن انهيار نظام الرعاية الصحية حرم النساء الحوامل من الوصول إلى الرعاية اللازمة.

وأشارت إلى أن نقص الرعاية الصحية يزيد من خطر حدوث مضاعفات صحية أثناء الحمل والولادة وما بعد ذلك خلال عام 2024.

ووفقا للتقرير، حذر خبراء الأمم المتحدة في ذلك الوقت من زيادة حالات الإجهاض في غزة بنسبة 300٪.

لكن صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين قدر في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2024 أن هناك نحو 155 ألف امرأة حامل ومرضعة في القطاع، بعد عام من الإبادة الجماعية، من بينهن 64300 امرأة يواجهن مستويات كارثية من الجوع.

المعيلات الوحيدات لأسرهن

بعد أن أبعدت الإبادة الجماعية آلاف الرجال عن أسرهم قسراً بسبب قتلهم أو اعتقالهم، وجدت النساء الفلسطينيات في غزة أنفسهن أمام واقع جديد بمسؤوليات جديدة.

حولت الحرب آلاف النساء إلى المعيلات الوحيدات لأسرهن في ظل انهيار الاقتصاد وندرة فرص العمل وتدمير البنية التحتية بنسبة 88% من المنازل والمؤسسات والخدمات الحيوية، وفي ظل ندرة المساعدات الإنسانية خلال الحرب، وانقطاعها بشكل كامل بعد حوالي 42 يوماً من اتفاق وقف إطلاق النار.

قدر مكتب الإعلام الحكومي في غزة أن حوالي 13901 امرأة فلسطينية فقدن أزواجهن نتيجة لحرب الإبادة الجماعية، وأصبحن المعيلات الوحيدات لأطفالهن.

بالإضافة إلى هؤلاء، هناك مئات النساء الفلسطينيات زوجات لأشخاص اعتقلهم جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد 7 أكتوبر 2023 ولم يتم الإفراج عنهم حتى الآن (عدد غير معروف).

خلال فترة الإبادة الجماعية، اعتمدت الغالبية العظمى من الفلسطينيين الذين تحولوا إلى فقراء بسبب الحرب على المساعدات الإنسانية لتوفير احتياجاتهم الأساسية، لكن منع إسرائيل لهذه المساعدات من دخول القطاع يفرض تحديات جديدة على المعيل الوحيد لأسرهم لمواجهة معركة التجويع الإسرائيلية.

خلال فترة الإبادة الجماعية، واجهت النساء الفلسطينيات المجاعة من خلال صنع الخبز باستخدام علف الحيوانات، أو طهي العشب الأخضر، وتقليل عدد وحجم الوجبات اليومية لأفراد أسرهن، وتفضيل أطفالهن عليهن في حصتهن الغذائية.

هذا ما لجأت إليه النساء الفلسطينيات مؤخراً من أجل الحفاظ على المخزون النادر من الأطعمة المعلبة الذي بقي لديهن من آخر حزمة مساعدات وصلت إليهن، حيث قللن من حجم الوجبة للشخص الواحد، مما يزيد من صعوبة الصيام خلال شهر رمضان.

بينما دفعت أخريات أطفالهن إلى العمل، مما يعرض مستقبلهن التعليمي للخطر، من أجل مساعدتهن في توفير لقمة العيش.

أمهات فقدن أبناءهن

حتى 21 كانون الثاني/يناير فقدت آلاف الأمهات الفلسطينيات نحو 17861 طفلاً، ما يعني أنهن يعشن الآن ظروفاً نفسية وتحديات كبيرة.

وفي هذا الصدد، قال الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في تقريره: “إن فقدان الأطفال يشكل جرحاً عميقاً في ذاكرة الأمهات اللواتي حملن أحلام أطفالهن تحت أنقاض العدوان”.

وتابع: “ورغم توقف العدوان، إلا أن مشاهد الفقدان تظل شاهداً على مآسي لا تنسى لأطفال أعزاء انتزعوا من بين أيديهن، تاركين وراءهم قلوباً تنزف حرماناً وأرواحاً مثقلة بصدمات عميقة”.

وأوضح التقرير أن أمهات الأطفال القتلى في غزة “يعشن كوابيس يومية واكتئاباً عميقاً، بينما يطاردهن القلق وهن يحاولن بإرادة ممزقة الإمساك بيد أحد الناجين ومداواة جراح أخرى”.

وأشارت إلى أن أمهات غزة “أمامهن مهمة صعبة تتجاوز إعادة بناء الحجر إلى ترميم النفوس واستعادة الثقة في عالم قاس أجبرهن على العيش بين ألم الفقد وأمل لا ينطفئ”.

خاصة في ظل تقديرات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة بأن ما معدله 15 طفلاً أصيبوا يومياً خلال أشهر الإبادة الجماعية بإعاقات قد تستمر مدى الحياة، ما يعني أن هناك 7065 طفلاً أصيبوا بهذه الإعاقات، بما في ذلك فقدان الأطراف والبصر والسمع، بحسب وكالة الإحصاء.

وتتحمل الأمهات مسؤولية رعاية هذه الفئة من الأطفال في ظل نقص الرعاية الطبية المقدمة لهم بسبب انهيار النظام الصحي في القطاع.

المرأة الفلسطينية في العراء

تواجه المرأة الفلسطينية تحديات جديدة بلا منازل، حيث أشارت المسؤولة الأممية غيمون في كلمتها في يوليو/تموز الماضي إلى أن مليون امرأة وفتاة فقدن منازلهن وأحباءهن وذكريات حياتهن نتيجة الإبادة الجماعية.

لا يزال النازحون الفلسطينيون يعيشون في خيام ممزقة من القماش والنايلون في العراء بعد أن دمرت حرب الإبادة منازلهم.

في حين يعيش بعضهم بين أنقاض منازلهم المدمرة وداخل منازل على وشك الانهيار، مما يضعهم، وخاصة النساء، أمام تحديات ومخاطر جديدة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.