أثار قرار وزارة الاقتصاد الوطني الفلسطينية في قطاع غزة برفع قيمة الرسوم الجمركية المفروضة على بعض أنواع الملابس المستوردة، ومنها “الجينز” و”الجلباب”، حالة من الجدل في الأسواق، حيث عارض التجار ذلك، مشيرين إلى أنه سيرفع الأسعار التي سيتحملها المواطنون بينما يلتزم المصنعون بها لحماية المنتج المحلي وتعزيز الاقتصاد من خلال توظيف المزيد من العمالة.
وأصدرت الوزارة الثلاثاء الماضي، قرارًا بتعديل رسوم استيراد أصناف وبضائع الواردة إلى غزة عبر المعابر التجارية (رفح وكرم أبو سالم). وقالت الوزارة، في بيان تابعته “غزة تايم”، إن “المنتجات والبضائع التي تم تعديل رسومها لها بديل محلي ويتم إنتاجها في مصانع داخل غزة”.
وأشارت إلى أن القرار يهدف إلى “زيادة الحصة السوقية والقدرة التنافسية مع الأصناف المستوردة، وكذلك زيادة عدد المنشآت الصناعية وتوسيع المصانع القائمة”. ولم تفصح الوزارة عن قيمة الرسوم المعدلة، لكن نقابة تجار الملابس في غزة قالت إنه مقابل كل قطعة من الجينز أو الجلباب تم إضافة 10 شيكل إلى قيمتها المالية كزيادة جمركية (حوالي 2.8 دولار).
دعم المنتج الوطني
وقال مدير عام الإدارة العامة للصناعة بالوزارة رائد الجزار، إنه “تم بالفعل إصدار قرارات بإعفاء المواد الخام المستوردة لمصانع الخياطة والنسيج، والإعفاء من رسوم فحص المنتجات، ودعم خط الكهرباء الموص لهذه المصانع دعمًا للمنتج الوطني”.
وأوضح الجزار أن مصانع الخياطة والنسيج العاملة في قطاع غزة قامت خلال السنوات الماضية بتصدير منتجاتها إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية. وأضاف أن استقبال هذه الأسواق لمنتجات قطاع غزة “معيار كاف لاعتمادها كمنتجات عالمية ذات جودة عالية، بالإضافة إلى الزيارات الدورية التي تقوم بها الوزارة للمصانع لفحص العينات المنتجة والتأكد من جودتها”.
وأضاف أن الانقسام السياسي الفلسطيني والحصار الذي امتد لأكثر من 15 عامًا أدى إلى انخفاض عدد مصانع الخياطة والنسيج في غزة من 900 مصنع إلى بضع عشرات من المصانع، مشيرًا إلى أن عدد العاملين في تلك المصانع انخفض خلال الخمسة عشر عامًا الماضية من أكثر من 30 ألف عامل إلى بضع مئات من العمال.
وقال، إن الزيادة الجمركية نظام يتم اعتماده في معظم الدول لدعم منتجاتها المحلية، إضافة إلى سياسة “الكوتة” التي تعتمد على خفض نسبة الواردات من الخارج. ورأى أن هذا القرار سيشجع أصحاب المصانع التي أغلقت أبوابها خلال سنوات الحصار على فتحها من جديد مستغلين التسهيلات التي توفرها الوزارة.
كما قد يساهم هذا القرار، بحسب الجزار، في زيادة عدد القوى العاملة في هذه المصانع، وتحريك العجلة الاقتصادية، لافتاً إلى أن وزارته اتفقت مع أصحاب المصانع على عدم فتح أسواق خارجية، موصية بضرورة توجيه إنتاجهم في السوق المحلي.
في قطاع غزة، يواجه اقتصاد غزة حالة من الانهيار حيث تعطلت آلاف المنشآت الاقتصادية والخدمية والإنتاجية ودمرت وألحقت أضرارًا جراء الهجمات الإسرائيلية خلال أكثر من 15 عامًا من الحصار. وبحسب تقرير صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي) في أيار الماضي، بلغ معدل البطالة في قطاع غزة 47%.
المصنعون يؤيدون القرار
رحب صاحب شركة “جولدن روك” للملابس، أحمد الغوطي، بقرار وزارة الاقتصاد، معتبرًا أنه يدعم المنتج المحلي. وقال في حديث صحافي، إن تعديل الرسوم المفروضة على السلع المستوردة إلى غزة، والتي لها بديل في السوق، أمر صحيح، خاصة وأن هذه المنتجات قادرة على المنافسة من حيث الجودة والسعر.
وأضاف الغوطي: “المواد الخام التي نستخدمها في صناعة الملابس ذات جودة عالية تضاهي المستورد، وبسعر يكاد يصل في الوضع الطبيعي إلى نفس سعر المستورد”. ورأى إسماعيل الشنطي المسؤول في مصنع الشنطي للملابس الشرعية أن هذا القرار سيعزز الإنتاج المحلي ويمهد الطريق أمام منافسة المستوردين.
وقال الشنطي: “سعر القطعة التي يتم تصنيعها في غزة يصل إلى نفس سعر المستورد، وهذا يضر بنا ويقلل من إنتاج المصنع، وفرض الزيادة الجمركية يفتح باب المنافسة”، مبيناً أن منتجات الملابس قادرة على منافسة المستورد من حيث جودة المواد والتصميم والخياطة.
تذمر بين التجار
من جهة أخرى، أثار هذا القرار حالة من التذمر بين التجار والمستوردين ومجموعة من المواطنين، معتبرين أنه “يسعى لحل مشكلة على حساب العبء المالي عليهم”. وقال رئيس نقابة تجار الملابس الجاهزة في غزة عماد عبد الهادي، إن الوزارة لم تناقش هذا القرار معهم، فهم كيان أصيل ومطلع على كل تفاصيل قطاع الألبسة.
وأضاف عبد الهادي، أن هذا القرار كان مفاجأة للتجار، واصفًا إياه بـ “الإهانة للجميع”. وأضاف أن نقابته عملت منذ 2014 على تقديم رؤى لدعم المنتج المحلي، لوزارة الاقتصاد، تقوم على تقليل استيراد منتج الجينز وزيادة الحصة السوقية المحلية.
وقال: “في عام 2019، بلغت حصتنا مليون و100 ألف قطعة، من بين 2.5 مليون و 3 ملايين قطعة يتم استهلاكها سنويًا، بينما تم تخفيضها حينها وحتى عام 2022 إلى 800 ألف قطعة فقط لدعم المنتج المحلي”. وذكر أن التجار الذين ينتظرون وصول بضائعهم في الأشهر المقبلة، بناءً على اتفاق مع وزارة الاقتصاد، سيتحملون زيادات جمركية جديدة ستثقل كاهلهم.
وأشار إلى أن تقليص البضائع المستوردة وزيادة كمية الإنتاج هو الحل الأفضل لدعم المنتج وليس زيادة القيمة الجمركية. وأضاف أن المواطن الفلسطيني غير القادر على شراء “الجينز” المستورد بمبلغ 30 شيكل (8.6 دولار) لن يتمكن من شراء الجين المحلي بسبب ارتفاع تكلفته مما يزيد من أعبائه المالية.
وأشار إلى أن نصيب المستورد من الجلباب القانوني يصل إلى 100 ألف قطعة سنويًا، فقط 20 ألف قطعة يتم استيرادها، منوهًا إلى أن 90% من هذا المنتج المستهلك في قطاع غزة هو إنتاج محلي. واعتبر عبد الهادي أن هذا القرار من شأنه أن يثقل كاهل الحركة التجارية ويستنزف المستهلك، مطالبًا الوزارة بالتوقف عن التعامل معها.