تنذر مسيرة الأعلام الإسرائيلية، المقرر إقامتها في القدس، الأحد، باشتعال مواجهة عسكرية بين جيش الاحتلال الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة، وسط تحذيرات أمنية من احتمال انخراط الفصائل الموالية لإيران في سوريا ولبنان في هذه المواجهة.
تشير التقديرات إلى أنه لا إسرائيل ولا حماس تنويان الانخراط في موجة جديدة من التصعيد على خلفية المسيرة. إلا أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية قامت بجميع الاستعدادات الأمنية على مختلف الجبهات تحسبًا لتصعيد أمني على مختلف الحدود الشمالية والجنوبية لإسرائيل.
ترفض إسرائيل رغم الضغوط الأمريكية تغيير مسار “مسيرة الأعلام” المقرر أن تمر عبر باب العامود وأحياء القدس الشرقية، الأمر الذي يعتبره الفلسطينيون استفزازًا لهم، ويحملون الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عن أي تصعيد محتمل في المنطقة.
الاستعدادات الأمنية
ونشرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية آلاف الجنود في القدس والبلدات العربية، استعدادًا لمواجهات محتملة مع الفلسطينيين. ونشر الجيش الإسرائيلي أيضًا منظومة القبة الحديدية في شمال وجنوب البلاد تحسبا لإطلاق صواريخ من غزة أو لبنان أو سوريا.
وحذرت الفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة إسرائيل من السماح باقتحام المسجد الأقصى من خلال تنظيم “مسيرة الأعلام” في القدس، مؤكدة أن مخطط المسيرة سيكون بمثابة “برميل بارود ينفجر ويشعل المنطقة”.
كما أعلنت، خلال مؤتمر صحفي، الخميس الماضي، “حالة التأهب العام”، ودعت الفلسطينيين إلى “مواجهة الهجمة الإسرائيلية الجديدة على المقدسات”، مضيفة: “الغرفة المشتركة بحالة انعقاد دائم لمراقبة الأوضاع وكل ما يصدر عن إسرائيل”.
حرب واسعة
انقسم الخبراء والمتخصصون السياسيون حول احتمال نشوب حرب في المنطقة. بينما أكد البعض على إمكانية ذلك، أشار آخرون إلى أن الأوضاع الإقليمية والدولية تحول دون مواجهة عسكرية شاملة على جبهات مختلفة.
واتفق الخبراء على أن جميع الأطراف لا تريد مواجهة عسكرية جديدة بسبب المسيرة. لكن تراجع إسرائيل عن مسارها أو عدم رد الفصائل لأي توتر أمني سيثير إحراجًا لكليهما، الأمر الذي يضع الطرفين في مواجهة مواجهة تحكمها قدرة الأطراف الدولية على تهدئة الموقف.
واعتبر المحلل السياسي حسن عبده أن اندلاع المواجهة العسكرية سيعتمد على قرار إسرائيل بشأن المسيرة وسيطرتها على الأوضاع الأمنية فيها، مشيرًا إلى أن أي اشتباكات في القدس بين المستوطنين والفلسطينيين ستؤدي بالتأكيد إلى اندلاع مواجهة تبدأ في غزة وتمتد إلى لبنان وسوريا.
وقال عبده في حديث صحافي، إن “أي أعمال عنف واشتباكات بين الفلسطينيين والمستوطنين في القدس خلال مسيرة ستكون الشرارة التي تشعل المواجهة العسكرية”، مضيفاً أن “العامل الأهم خلال المسيرة هو طبيعة الاشتباكات”.
وأضاف: “لا أستبعد أن تكون الأطراف الإقليمية المتحالفة مع الفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة، مثل حزب الله، طرفًا في المواجهة العسكرية”، مشيرًا إلى أن ذلك ظهر في تصريحات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله مؤخرًا.
وأشار عبده إلى أن المناورات التي أجراها الجيش الإسرائيلي خلال الأسابيع الماضية والمعروفة بـ “عربات النار” تؤكد استعداده لمواجهة عسكرية على عدة جبهات في نفس الوقت، وبحثه لفرضية حرب إقليمية في المنطقة.
وبحسب تقديره، “قد تكون هناك تفاهمات في الساعات الماضية بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية بوساطة دولية وعربية تمنعنا من الدخول في موجة تصعيد لا يرغبها الطرفان”.
الظروف الدولية
من جهته، قال أسعد غانم، أستاذ العلوم السياسية بجامعة حيفا، إن “جميع الأطراف لا تريد الدخول في جولة جديدة من التصعيد العسكري”، مؤكدًا أن الظروف الدولية والإقليمية لا تخدم أيًا من الأطراف في الوقت الحالي.
وقال غانم في حديث صحافي تابعته “غزة تايم”، إن “التوتر الحالي سببه الخلاف الداخلي في إسرائيل بين الائتلاف الحكومي والمعارضة”، مشيراً إلى أن اليمين الإسرائيلي يسعى لإحراج الحكومة الحالية ونقل الصراع إلى القدس والمسجد الأقصى من أجل هدمها.
وبشأن احتمال اندلاع حرب في المنطقة بسبب المسيرة، أشار المحلل السياسي إلى أنه “لا يمكن لأحد أن يحدد بدقة جغرافية المواجهة العسكرية القادمة أو الإطار الزمني لها”، بينما لم يستبعد إمكانية مشاركة أطراف أخرى من الخارج بأي مواجهة مقبلة.
وأضاف أن “التقديرات الإسرائيلية تشير إلى رغبة حماس وحلفائها في أن تكون المواجهة العسكرية القادمة على جبهات مختلفة”.
وشدد غانم على أن “القوى والوسطاء الدوليين لن يسمحوا باندلاع حرب إقليمية في الوقت الحاضر، الأمر الذي سيكون له تأثير خطير على المنطقة والعالم، خاصة أنه يتزامن مع الحرب الروسية الأوكرانية، التي يمكن أن تكون له تداعيات خطيرة للغاية” على حد تعبيره.
وأشار غانم إلى أنه “رغم التهديدات الصادرة عن الأمين العام لحزب الله، فإن حسابات الحزب مختلفة في الوقت الحاضر، خاصة بعد خسارته في الانتخابات اللبنانية الأخيرة”، مبينًا أن “الحزب يركز على الساحة الداخلية وأن تصريحات أمينها العام للاستهلاك الاعلامي”، حسب تقديره.
الوساطة الدولية
واتفق المحلل السياسي رياض العيلة مع التقديرات القائلة بأن جميع الأطراف لا ترغب في حرب جديدة، ورجح أن تسير مسيرة الأعلام في القدس دون أي احتكاك بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.
وقال العيلة، إن “آثار المواجهة الأخيرة بين حماس وإسرائيل في قطاع غزة لم تتم معالجتها بعد، وبالتالي فإن أي مواجهة عسكرية ستؤدي إلى مزيد من التدهور الأمني بين الجانبين في إضافة إلى التدهور الاقتصادي في غزة”.
وأضاف، أن “إسرائيل بعد عملية حرس الأسوار حصلت على أفضل فترة تهدئة مع غزة رغم القصف المتقطع للصواريخ التي تريد الحكومة الإسرائيلية مواصلتها بما يحفظ استقرارها وتمكنها من مواجهة التحديات السياسية الداخلية”.
وتوقع العيلة، أن “يتمكن الوسطاء من التوصل إلى تفاهمات مقبولة للطرفين تمنع اندلاع مواجهة عسكرية بينهما، على أساس تمرير مسيرة الأعلام وفق إجراءات أمنية محددة، ومنع أي احتكاك في القدس قد يؤدي إلى لزيادة التوتر”.
واعتبر أن “الحديث عن حرب إقليمية بين حماس وحلفائها في المنطقة والجيش الإسرائيلي سابق لأوانه، خاصة وأن مثل هذه الحرب ستشعل الشرق الأوسط”، بحسب تقديره.