ما يزال ملف إعادة الإعمار في قطاع غزة يراوح مكانه وزمانه، فبعد تسعة أشهر على انتهاء الحرب في أيار الماضي 2021م، لم تتضح خطواته الفعلية على الأرض التي تنتظر إعادة بنائها أو الانتظار كمثيلاتها في الحروب السابقة.
وحتى هذه الساعة لم ينجز من الإعمار أو وعوادته، سوى إزالة الركام الخاص بالمنازل والأبراج والبنية التحتية التي تعرضت للقصف والدمار إبان الحرب 2021م. في ظل خشية كبيرة من تكرار ما حصل في حرب 2014م، حيث ما يزال هناك أراض، كانت يومًا ما أبراجًا وعمارات، تنتظر الإعمار منذ سنوات.
وأدت الحرب التي استمرت 11 يومًا في مايو 2021م، لتدمير 1335 منشأة سكنية بشكل كامل أو بليغ، فيما لحق الضرر المتوسط والجزئي بحوالي 12 ألفًا و886 منزلًا، حسب إحصائية حكومية.
تأخر الإعمار أثار حفيظة المواطنين المتضررين، الذين لم يستطيعوا إعمار منازلهم وبيوتهم، في ظل الأجواء الباردة، كما استنفرت الفصائل الفلسطينية في غزة، للتهديد ردًا على تأخر الإعمار، والتلويح بالعودة إلى أساليب التصعيد في مواجهة المماطلة الاسرائيلية في تنفيذ التعهدات والالتزامات الواردة في تفاهمات التهدئة عقب الحرب.
وشهدت مشاريع الإعمار التي وعدت مصر بتنفيذها في قطاع غزة حراكًا جديدًا بعد وصول وفدين أمني واَخر هندسي إلى قطاع غزة، في 24/1/2022م، من أجل إرسال العطاءات على الشركات المنفذة لبناء ثلاث مدن مصرية شمال ووسط قطاع غزة وتضم أكثر من 3500 وحدة سكنية.
يواجه ملف الإعمار تحديات كبيرة، منها حالة الهدوء في قطاع غزة، ولضمان ذلك واصل الوسيط المصري اتصالاته مع غزة و”تل أبيب” ضمن الجهود الرامية لاستمرار حالة الهدوء والمحافظة عليها، من أجل الدفع قدمًا في مشاريع إعادة الإعمار.
ذكرت هيئة البث الإسرائيلية في 28/1/2022م، أن الوفد الأمني المصري نقل رسالة إلى قيادة حماس، مفادها أنه لن يتم المصادقة الإسرائيلية على الإجراءات التي يقوم بها الجانب المصري في قطاع غزة من أجل إعادة الإعمار، دون تقديم ضمانات واضحة بالحفاظ على التهدئة.
وتتمثل الأولويات في إعادة الإعمار، تحديًا اَخر، فالجهات المختصة في حكومة غزة، تضع أولويات الإعمار المختلفة عن الأولويات التي تضعها مصر والجهات الراعية والداعمة، والمتمثلة في إعادة إعمار المنازل والأبراج السكنية والمنشاَت الصناعية والتجارية، فيما لا يوجد تعهدات لإعادة إعمار الأبراج السكنية المهدومة كليًا حتى اللحظة، والتي يبلغ عددها 7 أبراج، وتحوي حوالي 450 وحدة سكنية، وتؤوي قرابة 3000 مواطن.
وعن التأخر في إعادة إعمارها، اعتبر ناجي سرحان وكيل وزارة الإسكان والأشغال العامة في غزة، أن “المانحين يضعون المنازل السكنية في أولوية إعادة الإعمار، وتُصنَّف الأبراج على أنها منشآت اقتصادية وليست سكنية، على رغم أنها تُؤوي المئات من الأسر، لذا، فهي تقبع في ذيل قائمة الأولويات”.
إضافة إلى ما سبق، فإن حكومة غزة اتهمت في وقت سابق، حكومة الاحتلال والسلطة الفلسطينية بعرقلة إعادة الإعمار، وذلك من خلال عرقلة تحويل الأموال القطرية إلى المستفيدين من المواطنين الذين هدمت بيوتهم. حيث بدأت قطر بإعمار وحدات سكنية متفرقة بقيمة 50 مليون دولار، وقد تلقى بعض أصحاب الوحدات السكنية المدمرة بشكل كلي الدفعة الأولى لإعادة إعمار منازلهم من المنحة القطرية.
من جهتها، أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا”، أن فرق برنامج تطوير المخيمات والبنى التحتية بدأت في التواصل مع العائلات اللاجئة المتضررة من أجل تحضير كافة المستندات اللازمة البدء في توقيع عقود إعادة إعمار منازلهم.
وكانت “الأونروا”، شرعت بتوزيع مساعدات مالية على الأسر التي تضررت منازلها بشكل بليغ وجزئي، وتسليم أصحاب المنازل المتضررة جزئيًا كامل المبالغ التي أقرت لهم لإعادة تأهيل منازلهم، فيما تسلم أصحاب الضرر البليغ جزءًا من قيمة الأضرار، التي سيجري صرف الجزء الثاني منها في وقت لاحق.
لذلك فإن عملية إعادة الإعمار في غزة، مقتصرة على صرف منح مالية محدودة كبدل إيجار لأصحاب المنازل المدمرة، وإصلاح المنازل المتضررة جزئيًا بتعهدات مالية محدودة، إضافة إلى وضع حجر الأساس لمشاريع إسكانية برعاية مصرية، وتبقى الوعودات والخطوات الفعلية على الأرض رهينة حالة التهدئة، والوفاء بتعهدات الدول المانحة.
بقلم: سماح حجازي