لم يتوقف الجدل منذ أيام حول فيلم أميرة الأردني الذي أنتج بتمويل من عدة دول عربية، ويعرض في مهرجان كرامة لأفلام حقوق الإنسان في الأردن. فالأمر لم يقتصر على مبدأ التعامل مع موضوع تهريب الحيوانات المنوية من السجون الإسرائيلية، بل يتوقف على شكل التنازل والبعد الرمزي للنهاية.
الفيلم الذي يتناول موضوع تهريب الحيوانات المنوية للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وجهت إليه عدة تهم، منها “إساءة معاملة الأسرى والأطفال المولودين من تلك الحيوانات المنوية”، ممن يلقبون بـ “سفراء الحرية”، وأنه يدعم “الرواية الإسرائيلية” بشأن تهريب الحيوانات المنوية التي تعتبرها الفلسطينيين شكل من أشكال النضال.
يحكي فيلم أميرة الأردني قصة أميرة التي ولدت من نطاف مهربة من سجن إسرائيلي، لتكتشف بعد سنوات أن السائل المنوي يخص ضابط إسرائيلي وليس لأسير فلسطيني كما كان يعتقد. في أحد المشاهد، تقف أميرة مع والدتها في السجن من وراء القضبان، وتستمع إلى والدها المعتقل في سجن إسرائيلي، على هاتف قديم.
هذه المرة، يطلب الأب من الأم إجراء عملية تلقيح أخرى، لإنجاب أخت لأميرة”. تغيرت ملامح الأم فتسأله: باسم من يكون الصبي هذه المرة؟ يوضح هذا السؤال عدم وعي الموظفين بطبيعة عملية تهريب الحيوانات المنوية وما يترتب على ذلك من قلق على الأطفال.
بعد نقل الحيوانات المنوية الجديدة للطبيب الفلسطيني يكشف عقم الأب؛ وهو ما يفتح الباب لشبهة الأم حول نسب “أميرة”، والتي يكشف السيناريو أخيرًا أنها من نطفة ضابط إسرائيلي.
تقويض فكرة المقاومة
وبحسب النقاد، فإن هذا الاقتراح يقوض أساس فكرة المقاومة التي استخدمها الأسرى الفلسطينيون لإثبات وجودهم في الحياة، ولضمان استمرارية نسلهم، حتى لو كانوا غائبين عن الواقع اليومي لأسرهم.
علاوة على ذلك، فإن الرؤية الإخراجية للفيلم تضر، بحسب النقاد، بالنسيج الاجتماعي الفلسطيني، وخاصة زوجات الأسرى اللائي أكملن ولادة الأطفال من خلال عملية تهريب النطف. كما أنها تثير البلبلة والجدل حول نسب هؤلاء الأبناء الذين يفتحون أعينهم كل يوم بدون صوت الأب داخل المنزل.
وفي جانب خطير للغاية، هؤلاء الأطفال هم أبناء النطف، الذين تجاوز عددهم 100 طفل قبل عشر سنوات، وبالتالي يتعرضون لضغط اجتماعي وعصبي شديد، من خلال التشكيك في نسبهم وهويتهم وانتمائهم كون الأمر لا يتوقف عند قضية معينة، فالجميع متهم في نظر الكاتب والمخرج وأبطال العمل.
أسئلة
والسؤال الجاد هنا من المستفيد من مثل هذا الاقتراح؟ أليس المستفيد الأول من مثل هذا التجسيد هو الاحتلال؟ كما يتساءل النقاد الذين يعتقدون أن المخرج دياب كان يجب أن يجد طريقة مختلفة لنقل الفكرة.
من الواضح أن شخصية “أميرة” كانت جدلية، تتطرق إلى موضوع مثير للجدل وهذا أيضًا عمق يؤكد قدرة الكاتب والمخرج والأبطال على إدراك المعنى في سياق الفيلم، وبالتالي يمكنهم تغيير السياق الدرامي.
أما فكرة إنهاء تعاطف أميرة مع المعاناة الفلسطينية، فهي جانب تسويقي لفكرة منفصلة، وهي جوهر الفيلم، وتقوم على خلط السم بالعسل. إنها فكرة قديمة، تمرير صوت مزعج ومؤلم لطبقة اجتماعية خاصة من الشعب الفلسطيني، الأسرى وأهاليهم.
واستنكرت وزارة الثقافة الفلسطينية إنتاج فيلم “أميرة” قائلة: “من الواضح أنه يسيء إلى كرامة المعتقلين وينال من كرامتهم”.
وردا على الانتقادات التي وجهت له، أصدرت الهيئة الملكية الأردنية للأفلام بيانا قالت فيه إن “الفيلم روائي وليس وثائقي، واختيار أسلوب سرد القصة وسرد الأحداث متروك لطاقم الإخراج، الكتابة والإنتاج”.
لكن يبدو من ردود الأفعال أن الغالبية تعتقد أن الفيلم لن يخدم قضية الأسرى كما أريدها، بل “يضعفها” ويحيطها بشوائب قد تحرمه من قدسيته في خيال البعض.
وفي تغريدة بهذا السياق، كتب الصحفي الفلسطيني فراس أبو هلال: “الفلسطيني لا يحتاج إلى عناصر خيالية في روايته، إذ لديه ما يكفي من الرموز الحقيقية. أحد هذه العناصر هم الأسرى”.
الفيلم من تأليف وإخراج المصري محمد دياب، وبطولة النجمة الأردنية صبا مبارك، والممثلة الفلسطينية الأردنية تارا عبود بدور أميرة، والممثلون الفلسطينيون صالح بكري وزياد بكري وعلي سليمان. الفيلم إنتاج مصري ـ أردني ـ فلسطيني مشترك.