برز اتجاه سؤال الذات في الشعر العربي مطلع ثلاثينيات القرن العشرين كحركة تجديدية ثائرة على الشعر الكلاسيكي الذي كان يقدّس القواعد والأصول الجامدة. وقد جاء هذا الاتجاه الرومانسي استجابة لظروف اجتماعية وسياسية صعبة، من فقر واستعمار وتخلف ثقافي، مما دفع الشعراء إلى البحث عن الحرية الفردية والتعبير الصادق عن الذات الإنسانية.
تأثر الأدب العربي الحديث بالمدارس الرومانسية الأوروبية، خاصة الفرنسية والإنجليزية، فظهر في العالم العربي تيار واسع حمل لواء التجديد في الشعر، تمثل في جماعة أبولو وجماعة الديوان والرابطة القلمية. ومن أبرز أعلامه: جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة، إبراهيم ناجي، أبو القاسم الشابي، وأحمد زكي أبو شادي. وقد اهتم العديد من النقاد بدراسة هذا التحول، ومنهم سيد حامد النساج في كتابه «في الرومانسية والواقعية»، الذي خصص فيه نصًا بعنوان «سؤال الذات في الرومانسية العربية» لتحليل خصائص هذا الاتجاه.
تحضير نص سؤال الذات في الرومانسية العربية اضغط هنا
جوهر الدراسة ومضامينها
يطرح سيد حامد النساج في نصه قضية مركزية تتعلق بتحول الشعر العربي من الكلاسيكية إلى الرومانسية الذاتية. فبينما كانت الكلاسيكية تمجّد الإنسان النموذجي والمثالي، ركزت الرومانسية على الإنسان الفرد، محتفية بتميزه وفرادته وقدرته على التعبير عن أعماقه الخاصة.
ويرى الكاتب أن الأدب الرومانسي هو قبل كل شيء تعبير عن النفس والتجربة الفردية، وأن الحرية هي الأساس في الإبداع، دون تقيد بتقاليد أو نماذج سابقة. كما يشير إلى أن موضوعات الشعر الرومانسي تتمحور حول الأنا، الحب المثالي، الحنين، الطبيعة، والعزلة، وهي سمات تعكس النزوع الإنساني العميق نحو الذات.
ويستعرض النساج المدارس الرومانسية العربية الثلاث، مبينًا كيف تباينت في الأسلوب والرؤية لكنها التقت في الهدف: تحرير الشعر العربي من قيود الشكل والمضمون، وفتح المجال أمام صوت الذات الإنسانية الصادقة.
المنهج والأساليب الحجاجية
اعتمد الكاتب في دراسته على المنهج الاستنباطي، منطلقًا من تعريف عام للرومانسية باعتبارها ثورة على التقاليد الأدبية والاجتماعية، لينتقل بعد ذلك إلى تحليل خصائصها وبيان أوجه الاختلاف بينها وبين المدرسة الكلاسيكية.
وقد استخدم النساج مجموعة من الأساليب الحجاجية التي منحت النص قوة الإقناع ووضوح الفكرة، مثل:
- التعريف: لتعريف المفاهيم الأساسية كالرومانسية والحب.
- التمثيل: بتقديم أمثلة لشعراء وجماعات أدبية.
- المقارنة: بين الرومانسية والتقليدية في المفهوم والوظيفة.
- السرد: لتتبع تطور التيار الرومانسي في الشعر العربي.
كما اتسمت لغة النص بالوضوح والموضوعية، مع اعتماد أسلوب خبري تقريري يخدم الجانب التفسيري والتحليلي، مدعوم بروابط لغوية ومعجمية حافظت على تماسك النص وانسجامه.
خاتمة واستنتاج
خلص سيد حامد النساج في تحليله إلى أن الرومانسية العربية أسهمت في تجديد الشعر العربي الحديث، وأعادت الاعتبار للذات المبدعة التي طالها التهميش في العصور السابقة. وقد أتاح هذا التيار للشاعر العربي التعبير بحرية عن وجدانه وعواطفه، فكان بذلك حجر الأساس في بناء الحداثة الشعرية العربية.
ويُعد نص «سؤال الذات في الرومانسية العربية» من الدراسات النقدية الرائدة التي قدمت رؤية متكاملة حول تطور المدرسة الرومانسية العربية، بأسلوب علمي دقيق ومنهج تحليلي متماسك، مما يجعل عمل النساج مرجعًا أساسيًا في فهم تحولات الشعر العربي الحديث.
