هل توقف الصين واردات النفط من روسيا وإيران استجابة للضغوط الأميركية؟ تحليل شامل وتفصيلي
خلفية أساسية: طبيعة العلاقة الاقتصادية بين الصين، روسيا، وإيران في مجال النفط
قبل كل شيء، يجب إدراك أن الصين تعتبر أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، وهي تعتمد بشكل كبير على واردات النفط لتلبية طلباتها المتصاعدة في قطاعات الصناعة والنقل. نتيجة لذلك، وقّعت الصين علاقات اقتصادية قوية مع روسيا، المورد الرئيسي للنفط، ومع إيران التي تزود بكين بنفطها بأسعار مغرية . علاوة على ذلك، تستفيد الصين من نظام دفع باليوان يتجاوز الهيمنة الأميركية، مما يسهل تعاملاتها النفطية مع هذه الدول رغم العقوبات الغربية المشددة. ولكن، مع تصاعد الضغوط الأميركية، تتساءل الأسواق الدولية عما إذا كانت الصين ستعدل سياستها المتعلقة بواردات النفط، أم ستتمسك بمصالحها الاستراتيجية.
مؤشرات مهمة حول واردات الصين من النفط الروسي والإيراني: أرقام وواقع
في نفس السياق، أظهرت بيانات جمركية تحليلية حديثة بأن واردات الصين من النفط الروسي لم تتوقف، بل شهدت تراجعاً طفيفاً لا يتجاوز 1% خلال شهر يونيو 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق . بالإضافة إلى ذلك، تأكد استمرار الصين في توريد كميات كبيرة من النفط الإيراني عبر شبكة معقدة من النقل وإعادة التصدير، حيث تشير تقارير لشركة “كيبلر” إلى أن واردات الصين من النفط الإيراني ظلت مرتفعة عند حوالي 6.8 مليون برميل يومياً خلال الأشهر الأولى من العام الحالي . من جهتها، نفت الصين توقف تلك الواردات رغم الضغوط الأميركية. وحتى النفط الأمريكي فقد توقفت وارداته بالكامل في يونيو، في حين زادت واردات بكين من روسيا والسعودية معاً.
نقاط رئيسية حول المؤشرات:
- الصين تخفض وارداتها النفطية الأميركية، لكنها تحافظ على إمداداتها من روسيا ومن الشرق الأوسط.
- واردات النفط الإيراني مستمرة رغم العقوبات، مدعومة بنظام دفع باليوان وحيل إدارية معقدة.
- روسيا تبقى أكبر مورد للنفط إلى الصين، وسط ارتفاع_exports السعودية وماليزيا والإمارات إلى بكين كذلك.
- تراجع طفيف في واردات النفط الروسي لكن ليس توقفًا كاملاً.
الضغوط الأميركية: أدوات وتأثيرات على السياسة الصينية النفطية
بالتأكيد، لا يمكن تجاهل الضغوط الأميركية التي تشمل حزمة عقوبات واسعة النطاق تستهدف الشركات والجهات التي تتعامل مع النفط الإيراني والروسي . علاوة على ذلك، تستخدم واشنطن أدوات اقتصادية ودبلوماسية للضغط على الدول، لا سيما الصين، لوقف عمليات استيراد النفط بهدف إضعاف الدعم المالي لنظامي روسيا وإيران في مواجهاتهما السياسية والعسكرية. نتيجة لذلك، تكثف الولايات المتحدة رقابتها على عمليات التحويل المالية والبحرية، وتبحث عن حلفاء دوليين لتطبيقها.
ولكن، من ناحية أخرى، ترفض الصين الاتهامات الأميركية، مؤكدة مشروعية تجارتها القائمة على الحاجة الاقتصادية والاستراتيجية. كما تسعى إلى حماية سيادتها الاقتصادية والسوقية في ظل حرب تجارية مستمرة. هذا يعني أن الموقف الصيني في إطار معقد بين الضرورات الاقتصادية ومواجهة النفوذ الأميركي.
التحولات الجغرافية والأسواق البديلة: كيف تتكيف الصين؟
بعبارة أخرى، تعتمد الصين على استراتيجيات تحوط متعددة للحفاظ على إمدادات النفط:
- زيادة التنويع الجغرافي لموردي النفط، بتوسيع التعاون مع دول الخليج، مثل السعودية والإمارات، لتعويض أي نقص محتمل في النفط الروسي أو الإيراني.
- تطوير مخزونات نفط استراتيجية تهدف إلى التخفيف من تأثير أي اضطرابات مفاجئة في الإمدادات .
- الاستثمار المستمر في مشاريع التكرير المحلية لتقليل الاعتماد على النفط الخام المستورد .
بالتالي، تسعى الصين إلى إحداث توازن بين المحافظة على علاقاتها مع روسيا وإيران ومواكبة متطلبات السوق العالمية المتقلبة.
ردود الفعل الدولية والتأثير على أسواق النفط العالمية
مع ذلك، شهدت أسواق النفط تقلبات ملحوظة مع الأخبار عن تغير أنماط الاستيراد الصينية. على سبيل المثال، تراجع أسعار النفط الأميركي في أعقاب تصريحات متناقضة حول مواقف واشنطن من مبيعات النفط للصين . وعلاوة على ذلك، ركزت وكالات الطاقة الدولية على مراقبة أثر العقوبات الأميركية على تدفقات النفط ومدى قدرة الصين على تحاشي العقوبات عن طريق طرق معقدة. بالتالي، أصبحت الصين لاعباً أساسياً في استقرار سوق النفط، نظراً لدورها كأكبر مستورد.
سيناريوهات مستقبلية محتملة: استمرار الاستيراد أم تعديل السياسة؟
في نفس السياق، يتوقع المحللون عدة سيناريوهات تتراوح بين:
- استمرار الصين في استيراد النفط من روسيا وإيران بكميات مشابهة مع تحسين التكتيكات اللوجستية للتغلب على العقوبات.
- قيام الصين بتقليل وارداتها من النفط الإيراني قليلاً، مع توسيع الشراكات النفطية مع السعودية ودول أخرى.
- احتمال أن تؤدي الضغوط الأميركية المتزايدة إلى تغيرات أكثر دراماتيكية في المدى البعيد، لكنها ليست متوقعة على الفور بسبب المصالح الاقتصادية المتبادلة .
- دعم دولي أو أوروبي للضغوط الأميركية قد يفرض خيارات صعبة على الصين مستقبلاً .
بالتالي، يبقى الموقف متحركاً ويُتابع عن كثب من جميع الفاعلين في سوق الطاقة العالمي.
خلاصة: الصين وقرار النفط… رؤية استراتيجية وسط الضغوط العالمية
لتلخيص، لم توقف الصين واردات النفط من روسيا وإيران بشكل كامل رغم الضغوط الأميركية المتصاعدة . ومع ذلك، طرأ تراجع طفيف في هذه الواردات يعكس حالة من التوازن بين مقاومة الضغوط الأميركية والحفاظ على مصالحها الاقتصادية الاستراتيجية. علاوة على ذلك، عمدت بكين إلى تنويع مصادرها النفطية وإدارة مخاطر السوق بذكاء عالي. وبالمثل، يبدو أن الصين تحاول إيجاد صيغة وسط تضمن استقرار إمداداتها النفطية وتجنب حرب تجارية حادة مع الولايات المتحدة. لهذا، يشكل موضوع واردات النفط من روسيا وإيران اختباراً حقيقياً لقدرة الصين على المناورة في ظل بيئة دولية معقدة ومتغيرة.