“رصاصة في الظل: انتحار جندي من لواء غولاني يكشف أزمة صامتة في صفوف الجيش الإسرائيلي”
في مشهد يختلط فيه الصمت بالأسى، ويغلب عليه الغموض أكثر من التصريحات الرسمية، هزّ خبر انتحار جندي من لواء غولاني هذا الأسبوع الرأي العام الإسرائيلي، بعدما أطلق النار على نفسه داخل قاعدة سدي يمان العسكرية، لينضم إلى سلسلة متصاعدة من حالات الانتحار داخل صفوف الجيش الإسرائيلي خلال العام 2024.
وبحسب ما كشفته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فإن الجندي كان أحد أفراد وحدة قتالية فعّالة داخل قطاع غزة، وتم استدعاؤه مؤخرًا من خطوط النار لحضور دورة “تنشيطية”، لكنها لم تكن سوى غطاء لتحقيق عسكري سري. في تلك اللحظة، كانت دوائر الشرطة العسكرية بانتظاره، وبدأت مرحلة التحقيق معه على خلفية قضية لم تُكشف تفاصيلها كاملة، لكنها على ما يبدو كانت كافية لهزّ أعصابه ودفعه نحو حافة اليأس.
ورغم قرار قادته بسحب سلاحه احترازيًا بعد التحقيق، إلا أن الجندي، الذي لم يُكشف عن اسمه، تمكن بعد ساعات فقط من الاستحواذ على سلاح أحد زملائه في القاعدة، ليوجه رصاصته إلى جسده، منهيًا حياته بطريقة درامية تختصر ما لا يُقال عن الضغوط النفسية العنيفة داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
◀ 21 جنديًا ينتحرون في عام واحد!
تقرير هآرتس لم يكن مجرد خبر عن حالة انتحار معزولة، بل جاء ضمن سياق صادم: 21 جنديًا إسرائيليًا أقدموا على الانتحار منذ بداية عام 2024، منهم 14 حالة خلال الأشهر الأولى فقط! هذا الرقم المرتفع يدق ناقوس خطر حقيقي داخل جيش يقدّم نفسه كأكثر جيوش الشرق الأوسط جاهزية وانضباطًا.
ورغم محاولات الجيش التقليل من الظاهرة وربطها بـ”أزمات شخصية”، فإن تكرار الحالات بهذا الشكل يشي بوجود خلل أعمق. فهل أصبحت الضغوط القتالية، والسياسات الداخلية، وظروف الخدمة، والتناقضات النفسية الناجمة عن ما يراه الجنود في غزة والضفة وغرف التحقيق، هي وقود هذا الانهيار المتسارع؟
◀ الوجه المظلم للخدمة العسكرية
تُعتبر وحدة غولاني من أكثر الوحدات القتالية شراسة داخل الجيش الإسرائيلي، وهي حاضرة في جميع محطات الصراع مع المقاومة الفلسطينية. الجنود هناك لا يحصلون فقط على تدريب بدني قاسٍ، بل يعيشون أيضًا واقعًا نفسيًا ضاغطًا يبدأ من جبهات القتال ولا ينتهي في الثكنات.
مصادر غير رسمية داخل الجيش تحدثت في تقارير سابقة عن وجود تزايد في حالات اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) بين الجنود العائدين من غزة، خصوصًا بعد مشاهد العنف والكمائن والاشتباكات المباشرة، ناهيك عن الضغط الداخلي من القيادات العسكرية.لماذا انتحر؟ وما الذي كان يخفيه التحقيق؟
◀ السؤال الذي ما زال مفتوحًا: ما السبب الحقيقي الذي دفع الجندي إلى الانتحار بعد التحقيق؟ وماذا كان يُحقق معه بشأنه؟ هل أخطأ في تنفيذ أمر عسكري؟ هل تراجع في لحظة قتالية؟ أم أن هناك أشياء تُحاول المؤسسة العسكرية التكتم عليها؟
في كل الأحوال، يبدو أن الضغوط التي واجهها ذلك الجندي — بين ساحة الحرب وغرف الاستجواب — كانت أكبر من أن يحتملها. لم يُمهله أحد فرصة للمواجهة أو التفسير، فاختار أن يصمت إلى الأبد.
◀ نهاية مفتوحة وأسئلة بلا أجوبة
الجيش الإسرائيلي لم يُعلّق كثيرًا على الحادثة، مكتفيًا بالتعبير عن “أسفه”، وإعلانه عن “فتح تحقيق داخلي”. لكن على أرض الواقع، لا تزال أسئلة كبرى بلا أجوبة:
من يتحمل مسؤولية فشل الدعم النفسي داخل الجيش؟
هل هذه مجرد حالة فردية أم رأس جبل جليد من الأزمات الصامتة؟
وماذا عن زملائه الذين شهدوا المشهد أو يعيشون مثله دون الإفصاح؟
بين صمت القاعدة العسكرية وتغطيات الصحف، تبقى الحقيقة الأهم أن رصاصة هذا الجندي لم تقتل فقط جسده، بل فجّرت من جديد ملفًا شائكًا يخشاه الجميع: الانتحار داخل الجيش الإسرائيلي.. العدو الذي لا يُرى.
🕯️ ختامًا، ليس كل من يعود من جبهات القتال حيًّا، يظل حيًّا في داخله.
بعضهم يعود بجسد متماسك، وروح مشروخة لا يراها أحد… حتى يطلق رصاصته الأخيرة.
هل تشهد الأيام المقبلة مزيدًا من هذه الحالات؟
وهل يتجرأ أحد على فتح ملفات الدعم النفسي الحقيقي للجنود بدل دفنهم في صمت؟
ربما لن يُجيب أحد. لكن الأرض تعرف، والسلاح يشهد
غزة تايم | معكم لحظة بلحظة