الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فإن يوم عرفة من أعظم الأيام عند المسلمين، حيث يجتمع فيها الملايين من حجاج بيت الله الحرام لأداء مناسك الحج، ويكون لهذا اليوم أهمية خاصة في قلوب المسلمين بفضل الأعمال العظيمة التي ينتهجها المسلمون فيه، والدروس والعبر التي يستفادها من هذا اليوم المبارك.
إن يوم عرفة يأتينا كل عام في التاسع من ذي الحجة، وهو اليوم الذي يتوقف فيه الحجاج في عرفات، ويقفون خلف إمامهم لأداء صلاة الظهر والعصر جمعاً وقصراً، ويتضرعون إلى الله بالدعاء والتوبة والاستغفار. وفي هذا اليوم يُعدُّ الدعاء مستجاباً بإذن الله، وتُمحى الذنوب، وتتجدد النفوس، وتفرح القلوب بالعفو والمغفرة من الله تعالى.
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم عرفة: “ما من يوم أكثر أن يعتق فيه عتقاء من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟”. إن الله يفتح أبواب الرحمة في هذا اليوم، ويغفر ذنوب عباده، ويرفع درجاتهم.
أما مناسك الحج فهي ركن من أركان الإسلام، ويجمع بين العبادة والتعبد، والتذكير بعظمة الله وتوحيده، وتقوية الروابط الإنسانية بين أفراد المسلمين من مختلف البلدان والأعراق. فالحج يشكل درساً حياً في التسامح والتعاون والإخاء، ويؤكد على أهمية الإسلام في بناء مجتمعات قائمة على العدل والمحبة والسلام.
كما أن يوم عرفة يذكرنا بقيم الصبر والتفاني والتضحية، فالحجاج يقضون هذا اليوم في ظروف جوية قاسية، معرضين للشمس والحر، ولكنهم يبتغون بذلك رضا الله ومغفرته. ومن هنا يأتي درس عميق في التسليم لأمر الله والإيمان بقدره، وفي قبول العناء والتعب في سبيل الله.
إن يوم عرفة يعلمنا أيضاً أن العبادة لا تقتصر على الأفراد فقط، بل تتسع لتشمل المجتمعات بأسرها، فالحج يشكل مناسبة للتأمل والتفكر في علاقتنا بالله وببعضنا البعض، وفي كيفية بناء مجتمعات قائمة على العدل والإحسان والمحبة.
لكل مسلم، يوم عرفة يأتي بفرصة عظيمة للتوبة والاستغفار، حيث يعلمنا الإسلام أن الله يقبل التوبة من عبده في أي وقت وفي أي مكان، ولكن يوم عرفة يكون فرصة استثنائية لتجديد العهد مع الله، ولطلب المغفرة والرحمة والعفو من الذنوب والمعاصي التي ارتكبناها.
إنه يوم تدعو فيه النفوس وتشتاق إلى الله بقلوب خاشعة، يعلم كل حاج أنه في هذا اليوم يسمع دعاؤه، ويرفع إليه الأعمال الصالحة، ويرحم فيه المسلمون ويغفر لهم، ويكون لهم أملاً في الجنة والنجاة من النار.
في يوم عرفة، نرى الحجاج يقفون كموسم واحد، بغض النظر عن جنسياتهم أو أعراقهم، متوحدين في الصلاة والدعاء والتضرع إلى الله، مثلما شهدنا في خطبة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حين قال: “الحج عرفة”، لتأكيد أن الوحدة في الدين أساسية، وأن المسلمين يجتمعون تحت لواء الإيمان والتوحيد.
في هذا اليوم المبارك، يُدرك المسلمون أنهم أخوة في الإسلام، وأن الدين الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم يحث على الوحدة والأخوة والتكافل بين المسلمين. فالحج يعلمنا أن الإسلام ليس مجرد عقيدة فقط، بل هو نمط حياة يشمل كل جوانب الحياة، بدءًا من العبادة والمعاملات وصولًا إلى التعاون والتضامن الاجتماعي.
يوم عرفة ليس مجرد يوم في التقويم الهجري، بل هو فرصة عظيمة للتغيير والتجديد الروحي، وللتوبة والاستغفار، وللدعاء والتضرع إلى الله. فلنستغل هذا اليوم المبارك لنتقرب إلى الله، ولنبتعد عن الذنوب والمعاصي، ولنسعى جميعاً إلى أن نكون من أولئك الذين يعفو الله عنهم ويرحمهم في هذا اليوم العظيم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.