غزة تايم – قالت صحيفة لوموند الفرنسية إن مقترف مذبحة مسجد النور في مدينة كرايست تشيرتش بنيوزيلندا تبنى مفهوم “الاستبدال الكبير” الذي صاغه الكاتب الفرنسي اليميني المتطرف رينو كامو، لتبرير عمله الإرهابي الجمعة الماضي. وفي مقال مشترك بين مجموعة من الصحفيين، قالت الصحيفة إن اليميني رينو كامو لا يهمه أن يكون منفذ العملية الإرهابية التي راح ضحيتها خمسون مسلما قد استفاد من مفهوم ” الاستبدال الكبير”، وقد يكفيه للشعور بالرضا ما دونه على تويتر من تذكير بأنه يدين العنف، وبالتالي فهو لا يشعر بأنه يتحمل أي مسؤولية عن التصرف الذي قام به الإرهابي بريتون تارانت.
ومع ذلك –تقول الصحيفة- فإن “الاستبدال الكبير” مكتوب بأحرف بارزة في الصفحة الأولى من البيان الذي نشره الأسترالي تارانت (28 عاما) على الإنترنت، قبل دخول المسجد مباشرة لإطلاق النار على الحاضرين، وهو يظهر فيه حزنه على الغزو المفترض للعالم الغربي من قبل “غير الأوروبيين”.
بيان تارانت
يقول تارانت إن قلبه انفطر لرؤية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “الأممي العالمي المناهض للبيض” الذي يفترض أنه مناصر للهجرة، وهو ينتصر عام 2017 على “القومية” مارين لوبان، مشيرا إلى أن ذلك ما أصابه بالجنون ودفعه للتحرك، مضافا إليه ما شاهده أثناء إقامته في فرنسا من “الغزاة في كل مكان”، في إشارة إلى ذوي الأصول غير الأوروبية.
وقالت الصحيفة إن هذا الخطاب يتلاءم تماما –إذا استبعدنا العنف- مع نظرية “الاستبدال الكبير” التي طورها رينو كامو قبل عقد من الزمان، والتي احتدم النقاش السياسي حولها منذ ذلك الحين في فرنسا وخارجها.
وفي تلخيصها التقريبي لهذه النظرية، قالت الصحيفة إنها تشتمل على جزأين: الأول قائم على “ملاحظة” ديمغرافية ناتجة عن الهجرة “الواسعة” وارتفاع الخصوبة لدى غير الأوروبيين، مما سيعطيهم تفوقا عدديا على السكان الأصليين لأوروبا (القوقازيين)، وسيسمح لهم بفرض ثقافتهم ودينهم على القارة.
وعلى سبيل التوضيح، علقت الصحيفة بأن هذه النظرية عنصرية في الأساس، لأنها تستند إلى مسألة لون البشرة والعرق كمعيار للانتماء، بغض النظر عما إذا كان الشخص قد ولد في أوروبا من أبوين أوروبيين لعدة أجيال، فإذا لم يكن “قوقازيا”، فهو بالتالي عنصر “بديل”.
وفي هذا المستوى يتم اعتبار السكان السود في جزر الهند الغربية -على سبيل المثال- “بدائل” حتى لو كانوا فرنسيين لعدة أجيال، في حين لا يثير مهاجر إيطالي أو بولندي “أبيض” أي قلق.
وعلاوة على ذلك، فإن الأرقام تكذب جوهر هذه الأطروحة، لأن تعداد المهاجرين وأحفاد المهاجرين غير الأوروبيين من الصعب أن يبلغ 5% من السكان في فرنسا -على سبيل المثال- وبالتالي فموضوع “الاستبدال” بعيد جدا، كما تقول الصحيفة.
أما الجزء الثاني فهو يصب في نظرية المؤامرة، لأنه يفترض أن هذا “الاستبدال الكبير” يتم في تواطؤ مع “سلطة استبدالية” من النخب القيادية الرأسمالية تسمى “العالميون”، وتسهر طواعية على تنظيم هجرة واسعة، من أجل بناء إنسان جديد “خال من أي خصوصية وطنية وإثنية وثقافية”، وبالتالي “قابل للتبديل” و”النقل” وذلك لمصلحة الاقتصاد المعولم.
ومن أجل التوضيح، علقت الصحيفة مرة أخرى بأن هذه القراءة تنبثق من نظرية المؤامرة التي تظهر فيها العديد من ملامحها، وهي افتراض أن هناك خطة عالمية وسرية كبيرة، تحاك من قبل مجموعات غامضة تتمتع بقدرات هائلة.
وبالإضافة إلى ذلك، وجدت الصحيفة في هذا الافتراض “نخبة استبدالية عديمة الجنسية ومعولمة يفترض أنها عدو للتقاليد وللسكان الأصليين، مشيرة إلى أن هذه هي الملامح الكلاسيكية لنظريات المؤامرة التي تسبغ عادة على اليهود من قبل المعادين للسامية.
تقليد قديم لدى اليمين المتطرف
وقالت الصحيفة إن أول من دافع عن هذه النظرية علانية هو رينو كامو في كتاب له عام 2010، قبل أن يطورها إلى “الاستبدال الكبير”، رغم أنه ليس مخترعها الحقيقي، إذ إنها نشأت في أواخر القرن 19 مع موريس باريس (أحد الآباء الفكريين للقومية الفرنسية).
بالنسبة للمؤرخ إيمانويل ديبونو، فإن “الاستبدال الكبير” تعود إلى جذور أبعد من ذلك، مثل نظريات “الإخلاء” التي قدمت في نهاية القرن 19 في جزر الأنتيل للانتصار على المستعمرين عن طريق التجاوز الديمغرافي.
فكرة متجذرة في النقاش السياسي
ونبهت الصحيفة إلى أن تأثير كامو في الحوارات السياسية أمر لا جدال فيه، رغم أن نجاحه في الأوساط الشعبية كان محدودا، وأشارت إلى أن العديد من الشخصيات الإعلامية والسياسية البارزة لم تعد تتردد في تبني فكرة “الاستبدال الكبير”.
ومن بين السياسيين الذين تبنوا هذه النظرية، ذكرت الصحيفة الرجل الثاني في الجبهة الوطنية جان بيير شتيربو، الذي دعا سنة 1982 إلى إعادة المهاجرين إلى بلادهم الأصلية، في عبارات لا لبس فيها، كما أن مؤسس الجبهة الوطنية جان ماري لوبان نفسه كان يعتقد أن “الاستبدال الكبير” كان “مطلوبا ومنظما” من قبل “رغبة كل الطبقة السياسية المهيمنة للحد من أعداد السكان واستيراد مجموعة مكملة، لتصبح بديلا للسكان.
أما رئيسة حزب التجمع الوطني (الجبهة الوطنية سابقا) مارين لوبان فقد أبدت موقفا أكثر حذرا، إذ رفضت تبني نظرية “الاستبدال الكبير، وإن كانت في عام 2013 شجبت “استبدالا كبيرا للسكان” حين اتهمت به الرئيس السابق فرانسوا هولاند، بفتح الحدود الفرنسية “بالكامل”.
ورأت الصحيفة أن فكرة كامو انتشرت بشكل متزايد داخل اليمين المحافظ عموما، ولكن دون ذكر المصطلح صراحة، مستدلة على ذلك بما قام به الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي حين دق ناقوس الخطر عام 2016 بشأن “الحضارة الأوروبية” التي “أصبحت أقلية”، وقال إن “الديمغرافيا تصنع التاريخ، وليس العكس”.
من الهجرة إلى العنف
وتساءلت الصحيفة في ختام المقال:، هل حقيقة أن تارانت -إرهابي كرايست تشيرش- بإبرازه تعبير “الاستبدال الكبير” في مقدمة في بيانه القاتل يمكن أن يحسب من مريدي رينو كامو؟
وقالت إن كامو -رغم استمراره في التذكير بأنه من مؤيدي اللاعنف- كان قد حكم عليه عام 2014 بتهمة إثارة الكراهية أو العنف، بعد تقديمه المسلمين على أنهم “بلطجية” أو “جنود” أو “الذراع المسلحة للغزو” أو “المستعمرون” الذين يسعون إلى جعل “الحياة مستحيلة بالنسبة للسكان الأصليين”.
ونبهت الصحيفة إلى أن كامو بالإضافة إلى الإدانة اللفظية، يعتبر مؤيدا قويا “للتهجير المعاكس” الذي يعني إلزام المهاجرين قسرا (بطريقة “سلمية” و”إنسانية”) على العودة إلى “بلدانهم الأصلية” المفترضة.
وخلصت لوموند إلى أن تارانت جزء لا يتجزأ من تقليد قديم من اليمين المتطرف العنيف الذي ندد منذ عقود قبل نظرية “الاستبدال الكبير” “بسيول الهجرة المفترضة الغامرة”، والدليل –حسب الصحيفة- استخدامه في بيانه الشمس السوداء، وهي شارة تحظى بشعبية لدى النازيين الجدد.
المصدر “لوموند”