الفلسطينيون الذين يتاح لهم الخروج من قطاع غزة والعودة إليه، لا ينعمون بأبسط حقوقهم الإنسانية؛ إذ أن الأمن المصري يضيّق عليهم الخناق، ويعاملهم كمشتبه بهمفي وقت يقول فيه النظام المصري إنّه يقدّم تسهيلات لصالح قطاع غزة، على صعيد تشغيل معبر رفح البري الرابط بين القطاع وسيناء، إلا أن بعض الأفعال تنغّص على المسافر الفلسطيني رحلة سفره، خصوصاً لدى المرور في أرض سيناء من معبر رفح وحتى اجتياز قناة السويس. وما يحدث أن التفتيش المتكرّر يؤدي إلى مصادرة أي غرض يخص المسافرين، من دون تقديم أي حجة وبلا رجعة.
ومنذ اللحظة الأولى لوصول الفلسطيني إلى قناة السويس (في طريق عودته من مصر إلى قطاع غزة)، حيث معدية “الفردان” التي خصّصها الأمن المصري مؤخراً لسفر الفلسطينيّين من قطاع غزة، تبدأ فصول المعاناة، من خلال سلسلة قرارات مشددة على أمتعة السفر التي يجلبونها من مصر، إضافة إلى تحديد 40 سيارة للمرور يومياً، في وقت تضطر كل السيارات إلى المبيت ليلة كاملة على المعدية، في انتظار المرور، عدا عن التفتيش “المستفز” لحقائب السفر، على الرغم من التعاون الكامل الذي يبديه المسافر الفلسطيني في تعامله مع الأمن المصري.
وفي التفاصيل، يقول أحد المسافرين الفلسطينيّين بعد تجاوزه معدية الفردان، إن الأمن المصري صادر ألعاباً لأطفاله بحجة أنها تعمل بالريموت، إضافة إلى بعض قطع الغيار لسيارته الخاصة، على الرغم من أنه جرى فحصها بشكل دقيق. وعلى الرغم من مناشداته للضابط بضرورة اصطحاب الألعاب لأطفاله، في مقابل مصادرة قطع غيار السيارة، إلا أن الضابط رفض ذلك، وأصر على مصادرة ألعاب الأطفال، وهذا ما حصل مع عدد من المسافرين خلال الفترة الماضية. كما يجري تفتيش دقيق للحقائب التي هي في حوزة المسافرين، بما فيها حقيبة اليد التي يحتفظ فيها المسافرون بالأوراق الرسمية والنقود.
يضيف المسافر أنه بعد المعدّية، تبدأ رحلة التفتيش الطويلة عند كمائن الميدان والريسة وجرادة والمطافئ، وكمائن أخرى على طريق رفح ــ الشيخ زويد، وصولاً إلى معبر رفح. وكثيراً ما تصادر الأمتعة في كمينَي جرادة والريسة، على الرغم من قصر المسافة بينهما، من ضمنها السجائر والهواتف والعطور، من دون أن يكون هناك سبب واضح. ولا يمكن لأي مسافر الاعتراض على قرار العسكريين بالمصادرة، وإلا فإنه لا يضمن سلامته، وقد لا يسمح له بالعودة إلى قطاع غزة، على غرار ما حدث مع عدد من الفلسطينيين، على مدار السنوات الماضية، وجرى اختطافهم بشكل تعسفي خلال مرورهم من غزة إلى مصر عبر سيناء.
أحياناً، يحالف الحظ بعض المسافرين خلال اجتياز الكمائن والحواجز من دون مصادرة الأمتعة إلى حين الوصول إلى صالة معبر رفح. حينها، يفاجأ المسافر بأن ضابط التفتيش يتعمد مصادرة الأصناف ذاتها، بحجة وجود قرار بمنع دخولها، على الرغم من علمه المسبق بأنها ألعاب للأطفال، قد تكون ضمن أمتعة النساء المسافرات أو الأطفال أنفسهم. إلا أن ذلك لا يشفع للمسافر أمام سطوة الضابط المصري، ما يزيد من آلام السفر لدى المواطن الفلسطيني، ويدفعه إلى التفكير ملياً في الأمتعة التي يحضرها في رحلة عودته من مصر إلى قطاع غزة، وإن كانت لا تشكل خطراً على الأمن، ويسمح بها في كل مطارات ومعابر العالم.
وما يزيد من قهر المسافرين الفلسطينيّين، كيفية معاملة المسافرين الإسرائيليين الذين يدخلون مصر عبر معبر طابا، على الرغم من تجاوزاتهم بحق السيادة المصرية، والتي كان آخرها حيازة الرصاص. وتفيد هيئة البث الإسرائيلية بأنه تم إطلاق سراح إسرائيليين اثنين كانا قد اعتُقلا في سيناء بعد ضبط الأمن المصري رصاصا في حوزتهما. وذكرت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن الاثنين دفعا غرامة مالية وأطلق سراحهما بعد 24 ساعة من توقيفهما عند معبر طابا، يوم السبت الماضي. وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أطلقت السلطات المصرية سراح إسرائيليّين بعد اعتقالهما لاستجوابهما في سيناء، والاشتباه في تجسسهما على الأمن المصري، وضبطت في حوزتهما كاميرات متطورة ومعدات تجسس مثبتة على السيارة التي كانا يستقلانها. وقبل عام ونصف العام، اعتقلت السلطات المصرية إسرائيلياً في سيناء، في حوزته رصاص. وزعم الإسرائيلي أن هذا الرصاص موجود في حقيبته منذ كان يخدم في جيش الاحتلال، وأفرج عنه بعد ساعات من توقيفه.
تعقيباً على ذلك، يقول أحد وجهاء سيناء، إن أفعال الأمن المصري، بما فيه الجيش، بحق المسافرين الفلسطينيين، “يشعرنا بالخجل أمام أشقائنا الفلسطينيين، إذ أنهم يتعرضون للأذى والسرقة على أرض سيناء، وهم ضيوف يمرّون في مناطقنا. لكن لا نستطيع إيقاف ذلك على الرغم من علمنا المسبق بأن المسافرين الفلسطينيين يلتزمون بالتعليمات التي يفرضها عليهم الأمن المصري منذ سنوات طويلة، والتي شددت في أعقاب الانقلاب العسكري صيف عام 2013، على الرغم من أن غالبية المسافرين هم من فئات المرضى والطلاب وأصحاب الإقامات في الخارج، وبالكاد استطاعوا الحصول على فرصة للسفر من غزة. ولا يمكنهم التسبب بالضرر لأنفسهم، لمعرفتهم المسبقة بأن سيناء تمثل منطقة عسكرية مغلقة، وحالة الطوارئ فيها لا تنتهي”.
يضيف الشيخ القبلي أن تجاوزات الأمن المصري بحق المسافرين على الطريق الدولي من القناة وحتى معبر رفح تزداد باستمرار، على الرغم من تحسّن العلاقة بين حركة حماس والسلطات المصرية، إلا أن التنغيص على المسافرين بات سمة عمل الأمن المصري على الكمائن التي يمر بها المسافرون منذ سنوات، من دون مراعاة مشقة السفر التي يلقاها الفلسطينيون من معبر رفح وحتى الوصول إلى القاهرة، في ظل إغلاق مطار العريش الدولي، وتشديد الحركة على الطريق بين المعبر وما بعد القناة، لتبلغ رحلة السفر أضعاف ما كانت عليه قبل الانقلاب العسكري، خصوصاً في ظل اضطرار المسافرين إلى الوقوف على الكمائن في رحلتي الذهاب والعودة لساعات طويلة، بحجة التدقيق والفحص الأمني، وعدم اعتراف أي كمين عسكري أو أمني بتفتيش الكمين الذي سبقه.
المصدر “العربي الجديد“