غزة تايم – قسم المتابعة
يعيش الصياد الفلسطيني جمال بكر قلقا يوميا، ويقضي ساعات طويلة في ميناء غزة، ينتظر عودة نجله الوحيد خضر سالما من رحلة صيد محفوفة بالمخاطر، جراء الاعتداءات اليومية التي ترتكبها الزوارق الحربية الإسرائيلية بحق الصيادين في بحر قطاع غزة.
عاش جمال (57 عاما) -بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة عام 2014- يوما مؤلما لم يتوقف فيه عن البكاء، عندما عاد الصيادون إلى الميناء دون أن يعود معهم خضر (22 عاما) وظن الجميع أنه قتل جراء النيران الإسرائيلية الكثيفة التي أصابت مركبه وأدت إلى إحراقه وغرقه.
لم يكن خضر في ذلك الحين قد أكمل الـ 18 من عمره، وقد قفز إلى البحر إثر استهداف المركب، لتعتقله الزوارق الحربية الإسرائيلية، قبل إطلاق سراحه في عرض البحر بعد ساعات عايش خلالها “أشكالا من الرعب والإرهاب”.
ويستذكر جمال -بينما كان يجلس على حافة ميناء غزة (مرفأ الصيادين) وعيناه تترقبان عودة نجله- تلك الحادثة التي وصفها بالأليمة.
يقول “خضر ابني الوحيد بين ثماني بنات، وهو سندي في هذه الدنيا، وكاد قلبي يتوقف عندما وصف لي صيادون ما حدث للمركب في عرض البحر”.
وأضاف بحرقة “منذ تلك الحادثة والقلق لا يفارقني كلما استقل خضر مركبه وركب البحر بحثا عن لقمة عيشنا”.
مهنة متوارثة
وتعد عائلة بكر -التي تتركز منازلها على بُعد أمتار قليلة من شاطئ بحر غزة- واحدة من أكبر العائلات في قطاع غزة التي يعيش أبناؤها من مهنة صيد الأسماك المتوارثة جيلا بعد جيل.
وقال المواطن إنه يعمل في هذه المهنة منذ أن كان في الـ 17 من عمره، عندما اصطحبه والده في أول رحلة صيد، ومنذ ذلك الحين وقعت “قصة حب” بينه وبين البحر، مضيفا وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة كبيرة “احنا (نحن) مثل السمك بنموت برا (خارج) البحر”.
وأكد جمال -الذي تعرض مرارا لخسائر فادحة بسبب اعتداءات قوات الاحتلال- أن “جميع محاولات الاحتلال لدفعنا إلى هجرة البحر ستفشل، ولن نستبدل أي مهنة أخرى بمهنة الصيد، ولن نرضى عن جوار البحر بأي جوار”.
وخسر الصياد الفلسطيني نحو أربعين ألف دولار خلال الحرب الإسرائيلية الثانية على غزة عام 2012، عندما احترقت كل ممتلكاته من معدات الصيد، جراء قصف طائرات حربية غرفة الصيادين داخل الميناء، فضلا عن استمرار احتجاز مركبين له، واحد منذ 1994 والثاني منذ 2014.
حصار بحري
يقول رئيس اتحاد لجان الصيادين زكريا بكر إن “الحصار البحري” أشد أوجه الحصار المضروب على قطاع غزة منذ 2006، وصيادو غزة ضحايا الجرائم اليومية للزوارق الحربية الإسرائيلية التي تحتل البحر ولا تغادره على مدار الساعة.
وقدّر أن أربعة آلاف صياد يعملون في بحر قطاع غزة، 40% من صيادي مدينة غزة (كبرى مدن القطاع) وحدها من عائلة بكر التي دفعت ثمنا كبيرا من دماء أبنائها لتمسكهم بمهنة الآباء والأجداد، ورفضهم الخنوع لإرهاب الاحتلال.
وأوضح أن العام الماضي استشهد صيادان واعتقل سبعون أغلبهم من عائلة بكر -لا يزال 13 منهم رهن الاعتقال- فضلا عن جرح ثلاثين آخرين، كما صادرت بحرية الاحتلال عشرين مركبا وألحقت أضرارا بعشرين أخرى.
وعلى مدار 13 عاما من الحصار، استشهد صيادان من العائلة، وأصيب أكثر من سبعين بجروح متفاوتة، بينهم اثنان أصيبا بإعاقات دائمة منعتهما من الصيد، فضلا عن اعتقال نحو مئة صياد بعضهم تعرض للاعتقال المتكرر، إضافة إلى خسائر فادحة في المراكب ومعدات الصيد، وفقا لبكر.
وتأكيدا على تمسك أبناء العائلة بالبحر، يستشهد بكر بقصة شقيقه الأكبر ماجد الذي استشهد ابنه محمد بين يديه على ظهر المركب في عرض البحر عام 2017 جراء رصاصة إسرائيلية أصابته في مقتل، وتعرض أربعة من أبنائه للاعتقال المتكرر، لكنه لا يزال وأبناؤه لا يخلفون موعدهم الدائم مع “رحلة الصيد”.
المصدر : الجزيرة