بعد قرارها الذي تعتبر فيه قناة الأقصى الفضائية “منظمة إرهابية”، تكون إسرائيل قد وضعت القناة بمقارها وموظفيها في “دائرة الاستهداف المباشر”.
ويأخذ القائمون على القناة التابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) القرار، الذي اتخذه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بحظر القناة واعتبارها “منظمة إرهابية محظورة”، على محمل الجد، ويرون أنه يشكل خطرا حقيقيا على حياة العاملين فيها، وتهديدا باستهداف كوادرها ومقدراتها ومقارها.
وقال وسام عفيفة المدير العام لشبكة الأقصى الإعلامية التي تضم وسائل إعلامية عدة أهمها قناة الأقصى، إن القرار الإسرائيلي “لم يكن مفاجئا”.
وأضاف أنه كان واضحا أن إسرائيل تمهد لمثل هذا القرار عندما سرب جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) خبرا في الإعلام الإسرائيلي، قبل نحو شهر، يحرض على القناة بأنها تنقل “إشارات” تعطي تعليمات ومعلومات لمقاومين فلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.
وأضاف عفيفة “في ذلك الوقت اعتبرنا هذا الاتهام للقناة خطيرا ويمهد لجرائم لاحقة”، وربما كان الهدف من وراء هذا الاتهام التمهيد لقرار حظر القناة واعتبارها “منظمة إرهابية” لتبرير أي استهداف مباشر لها في أي تصعيد قادم.
تدمير كلي
وكانت غارة جوية إسرائيلية أسفرت عن تدمير كلي للمقر الرئيسي للقناة في مدينة غزة خلال العدوان الذي شهده قطاع غزة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقدرت خسائرها في حينه بأكثر من أربعة ملايين دولار.
وتعمل القناة حاليا من مكاتب ومقار مؤقتة وغير معلومة خشية الاستهداف الإسرائيلي.
وقال عفيفة إن قرار نتنياهو لا يغير من واقع العداء الإسرائيلي لقناة الأقصى، ولكنه يزيد الأمر خطورة، حيث تحظر إسرائيل عمل طواقم الأقصى في القدس والضفة الغربية، وتلاحق كل من تشتبه في تعامله مع القناة.
ولا يستبعد عفيفة أن ترتكب إسرائيل “جريمة مباشرة” بحق القناة سواء باستهداف ممتلكاتها أو العاملين معها في الميدان، فضلا عن التداعيات الخطيرة لقرار اعتبار القناة “منظمة إرهابية” على الصعيد الخارجي لجهة الملاحقة القضائية ومحاولات التشويش.
وأضاف أن القرار قد يدفع لإسقاط ترددات القناة من الأقمار الصناعية، مثلما حدث في 2010 عندما أسقطها قمر صناعي فرنسي بضغط إسرائيلي، وكذلك منعها من البث على القمرين “عرب سات” و”نايل سات”.
أزمة كبيرة
وأعرب عفيفة عن خشيته من امتناع شركات الإنتاج الإعلامي عن التعامل مع قناة الأقصى، التي تعاني أساسا في الوقت الحالي من أزمة مالية كبيرة، وذلك خشية الداعمين والمتعاملين مع القناة من الملاحقة بتهمة “الإرهاب”.
ويعتقد عفيفة أن إسرائيل تسعى من وراء قرارها الجديد بحق القناة، وسلسلة الجرائم والاستهداف ضد القناة، إلى زيادة مساحة الضغط عليها وتعطيل رسالتها الإعلامية الوطنية.
ولا يخفي المتحدث أن إدارة القناة ستأخذ أعلى درجات الاحتياط في تعاطيها مع القرار، حيث خاطبت مؤسسات دولية حذرتها من مغبة الاستهداف الإسرائيلي المباشر، وكذلك على الصعيد الفني والتقني يتم البحث عن بدائل إذا تأثر البث بالقرار، وذلك عبر البث عبر الإنترنت أو البث من خلال مساحات توفرها قنوات فضائية صديقة.
تاريخ من القصف
وكانت قناة الأقصى تعرضت منذ تأسيسها في غزة عام 2006 إلى خمس عمليات قصف وتدمير، واستهداف لطواقمها، مما أدى إلى استشهاد ثلاثة وإصابة آخرين بجروح، فضلا عن ملاحقة العاملين معها في الضفة والقدس، وحظر عملها، والضغط على أقمار صناعية لحظر بثها.
ويتفق الخبير في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي مع عفيفة بشأن خطورة القرار وهو الأول الصادر عن رئيس وزراء إسرائيلي ضد قناة إعلامية.
وقال النعامي إن القرار يوفر المسوغ لإسرائيل لاستهداف القناة والعاملين فيها، ويمهد أيضا إلى “شيطنة” المؤسسات التي تتبع حركة حماس بشكل عام.
وأكد أن القناة ستتأثر بهذا القرار في مجالات عدة، وخصوصا التمويل، حيث سيخشى أي طرف أو جهة المساهمة في تمويل القناة مخافة الاتهام بالإرهاب.
ووصف رئيس مجلس إدارة “المعهد الفلسطيني للاتصال والتنمية” فتحي صبّاح القرار بأنه “خطير جدا”، واعتبارا من صدوره ستتعامل إسرائيل مع كل من يعمل في القناة على أنه “إرهابي”، وبموجبه تعطي إسرائيل لنفسها الحق في تدمير القناة واغتيال أو اعتقال من يعمل لصالحها.
وقال صبّاح إن الخطير أيضا في القرار الإسرائيلي أن تقدم على مصادرة أملاك القناة المنقولة أو غير المنقولة أينما وجدت، وقد يكون القرار كذلك مقدمة لدول أخرى لوصم القناة بالإرهاب وملاحقتها خارجيا.
وتوقع صبّاح أن تقدم إسرائيل على خطوات مماثلة تجاه وسائل إعلام أخرى تابعة لحركة حماس وفصائل المقاومة الأخرى، في محاولة منها لإخراس الصحافة وترهيبها.
وأكد الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا أن إسرائيل تدرك خطورة جناحي حركة حماس العسكري والإعلامي، ولذلك فهي لا تتوقف عن التفكير في تدميرهما بالقصف والملاحقة.
وشدد على أن الهجمة الإسرائيلية تتطلب “جهدا فلسطينيا جماعيا وأن لا تترك قناة الأقصى وحدها، وتنفرد إسرائيل بالوسائل الإعلامية الوطنية واحدة تلو الأخرى”.
المصدر “الجزيرة