غزة تايم

“دمار نووي”.. سكان غزة يواجهون خيارات مُرة بعد عودتهم لمنازلهم

“دمار نووي”.. سكان غزة يواجهون خيارات مُرة بعد عودتهم لمنازلهم
"دمار نووي".. سكان غزة يواجهون خيارات مُرة بعد عودتهم لمنازلهم

يشهد قطاع غزة مشهدًا يوصف بـ”الدمار النووي”، كما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية، في تقريرٍ يرصد الكارثة الإنسانية بعد عامين من الحرب الإسرائيلية المدمّرة. فبينما يتطلع الفلسطينيون للعودة إلى منازلهم، تتحول رحلتهم إلى كابوس مرير، حيث لم يبقَ من أحيائهم سوى الركام والأنقاض.

وتُظهر الصور ومقاطع الفيديو الواردة من القطاع حجم المأساة، إذ اختفت أحياءٌ كاملة في شمال غزة عن الوجود، وسُوّيت مبانٍ بالأرض، ليجد آلاف العائدين أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مُرّ: البقاء وسط الدمار أو الهجرة مجددًا إلى الجنوب بحثًا عن الماء والغذاء، وسط حالة من الغموض السياسي حول مستقبل الهدنة التي بدأت قبل أسبوع، ضمن خطة السلام التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وعلى طول الطريق الساحلي، تحولت رحلة العودة إلى ما يشبه “النزوح الجماعي العكسي”، حيث سار آلاف الفلسطينيين على الأقدام حاملين ما تبقّى من متاعهم. إلا أن ما وجدوه عند الوصول كان يفوق كل تصور: بيوت مهدّمة، وطرقات مطموسة، وأحياء لم يعد لها ملامح.

في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، تروي سهير العبسي (50 عامًا)، وهي أم لسبعة أطفال، معاناتها قائلة: “كنت أظن أنني سأجد منزلي واقفًا، لكنني لم أستطع حتى التعرف على الحي. كل شيء اختفى، وكأن قنبلة نووية سقطت هنا.” وتشير العبسي إلى أن الدمار كان شاملًا، حيث اختلطت أنقاض المنازل ببعضها، وجعلت العودة إلى الحياة الطبيعية حلمًا بعيد المنال.

وتشير تقارير ميدانية إلى أن الدمار لم ينتج فقط عن القصف الجوي والمدفعي، بل استخدمت القوات الإسرائيلية روبوتات مدرعة مزوّدة بالمتفجرات لتفجير المنازل واحدًا تلو الآخر، لتقليل خسائرها البشرية في الاقتحامات البرية. وتقول العبسي إنها لجأت إلى الجنوب خلال الحرب، ثم عادت لتجد ذكريات 40 عامًا مطموسة تحت الركام.

في المقابل، لجأت بعض العائلات في الشيخ رضوان إلى ملاجئ مؤقتة، نصبت خيامًا وأقمشة بين الأعمدة الخرسانية المتهدمة، بحثًا عن مأوى يحميها من الشمس. وبرغم الخراب، يجد كثيرون عزاءً في البقاء قرب أطلال منازلهم، حيث الذاكرة والانتماء.

وفي حي الشجاعية، تواجه سوزان الشياح صدمة مماثلة؛ إذ تقول إنها لم تستطع تحديد موقع منزلها وسط الركام المتراكم. وبعد أربعة أيام من البحث، نصبت خيمة قرب مدرسة مهدّمة، مؤكدة: “نعيش يومنا بيومه، لا وقت للتفكير في المستقبل، فقط نخشى أن تعود الحرب.”

أما في جباليا شمال غزة، فيروي المقاول هاني عبد ربه (60 عامًا) مأساة عائلته قائلاً: “وجدت منازلنا الأربعة مدمرة بالكامل، وأُصبت بجلطة من هول المشهد.” فقد عبد ربه ابنه وحفيده خلال الحرب، لكنه رغم ذلك يرفض مغادرة أرضه قائلاً: “ولدت هنا، وسأموت هنا في جباليا.”

ويفاقم الأزمة نقص المياه والتلوث الناتج عن تدمير شبكات الصرف ومحطات الضخ، إضافة إلى توقف محطة تحلية المياه في شمال القطاع نتيجة القصف، ما يجعل إعادة الإعمار مهمة شبه مستحيلة في ظل استمرار الحصار وتعطل المعابر.

وبين الأنقاض، يقف أهالي غزة بصلابةٍ استثنائية، متمسكين بالأمل في مستقبلٍ يعيد الحياة إلى مدنهم التي تحولت إلى رماد، رغم أن الطريق ما زال طويلًا وشاقًا نحو إعادة البناء والسلام.

Exit mobile version