غزة تايم

محاولات (إسرائيل) شطب الأونروا تزيد آلام الحرب وآثار المجاعة

alt=
محاولات (إسرائيل) شطب الأونروا تزيد آلام الحرب وآثار المجاعة

غُيبت عن شمال غزة

منذ سنوات كانت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا” هدفا للاحتلال في محاولة لتصفية وجودها في الأراضي الفلسطينية باعتبارها عنوانا ارتبط بحق عودة اللاجئين.

وخلال حرب الإبادة التي تشنها (إسرائيل) على غزة منذ مائتي يوم وصلت مخططات الاحتلال ذروتها ضد الوكالة الأممية التي عملت على شيطنتها، ونجحت في سحب طواقمها من محافظتي غزة وشمالها، وتركت ما يقارب 700 ألف شخص يواجهون القتل والتجويع.

وتعرضت الأونروا خلال العدوان لسلسلة من الضغوط (الإسرائيلية) التي وصلت حد قصف مدارس ومنشآت ومراكز إيواء تابعة لها، واستهداف طواقمها العاملة في الميدان.

أوضاع كارثية

شاخت ملامح الشاب حسن يوسف 35 عاما بفعل المجاعة التي تضرب أطناب شمال غزة، وتحدث عن معاناته اليومية التي يقضيها وأطفاله الأربعة جراء غياب مقومات الحياة على مدار أشهر من العدوان.

يقول حسن: “من يشاهدني وأطفالي يعرف حجم الكارثة التي نواجهها في شمال القطاع، الجميع ترك السكان وحدهم لمواجهة مصيرهم دون أي مساعدات تمكنهم من العيش”.

الشاب الذي كان يعمل قبل الحرب في أحد المحال التجارية بأجر 30 شيكل فقط، ذكر أنه كان يعتمد بشكل أساسي على المساعدات التي يتلقاها من وكالة الغوث لكن مع فقدان خدماتها ومغادرة طواقمها شمال القطاع في الأيام الأولى للحرب، أصبح الوضع كارثيا وعاش مع السكان فصول الموت والمجاعة دون أي يد تخفف حدتها.

ووفق ما رصدناه شمال غزة لم يكن المشهد عاديا بل كان عبارة عن حسرات مركبة زادها الفقر والجوع وفقدان المساعدات ألما، وأدى انسحاب الأونروا ومنعها من إدخال المساعدات إلى تداعيات خطيرة على اللاجئين الفلسطينيين.

وكانت (إسرائيل) قد أعلنت أنها لن توافق على إرسال قوافل غذائية تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين إلى شمال قطاع غزة، حيث اعتبر حينها مفوض وكالة (الأونروا) فيليب لازاريني القرار “مشين” ويعجل بالمجاعة التي تخيم على القطاع بكامله، ويستهدف عرقلة المساعدات المنقذة للحياة بشكل متعمد، داعيا إلى رفع هذه القيود.

وعقب ذلك استهدفت قوات الاحتلال عددا من المراكز التي تتبع الأونروا بمحافظات غزة وتحتوي على مساعدات اغاثية.
وأعلنت الأونروا أن 165 موظفا لديها لقوا حتفهم من جراء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة.

اتهامات باطلة

وفي إطار الحملة التي تشنها (إسرائيل) وحلفائها على الأونروا، أعلنت الولايات المتحدة وتسع دول أخرى في نهاية يناير الماضي تعليق دعمها المالي للأونروا، وسط تحذيرات من وقوع مجاعة بعد أن انقطعت المساعدات عن مئات الآلاف من السكان المحاصرين شمالي القطاع المحاصر، مما جعل بعض السكان يضطرون لطحن علف الحيوانات كي يصنعوا منه خبزا.

لم تنتظر الولايات المتحدة والدول المرافقة التأكد من ادعاءات (إسرائيل) ففقدت حيادها بميلها لرواية المحتل دون تحقق وحرمت قرابة ملويني لاجئ من خدمات الوكالة.

وتفنيدا للادعاءات خلصت مراجعة بشأن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، أنه على الرغم من زعم (إسرائيل) “مشاركة عدد كبير” من موظفي الوكالة في هجوم 7 أكتوبر، إلّا أنها “لم تقدم أدلة أساسية” على ذلك.

وأفاد تقرير مجموعة المراجعة المستقلة للأونروا، بأن الوكالة وضعت عدداً كبيراً من الآليات والإجراءات لضمان التزامها بالمبادئ الإنسانية، بالتركيز على مبدأ الحياد. وقال إنها تتبع نهجاً للحياد أكثر تطوراً من أي جهة أخرى مشابهة أممية أو غير حكومية.

وأشار التقرير إلى أن الأونروا وضعت إطار عمل للحياد عام 2017، وقال إنها منذ ذلك الوقت وضعت وحدثّت عدداً كبيراً من السياسات والآليات والتدبير لضمان الامتثال لمبدأ الحياد، والاستجابة العاجلة والملائمة للادعاءات أو مؤشرات الانتهاكات، وتحديد وتطبيق عقوبات تأديبية على الموظفين الذين يثبت انتهاكهم لمبادئ الحياد.

وقال التقرير: “في ظل غياب حل سياسي بين إسرائيل والفلسطينيين، تبقى الأونروا محورية في تقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة والخدمات الاجتماعية الأساسية وخاصة في الصحة والتعليم للاجئين الفلسطينيين في غزة والأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية”.

وأضاف أن الأونروا لا يمكن استبدالها أو الاستغناء عنها للتنمية البشرية والاقتصادية للفلسطينيين، وأن الكثيرين يرونها شريان حياة إنسانياً.

العمل الإغاثي مستهدف

وبدوره أكد مسؤول في لجان توزيع المساعدات في شمال القطاع فضل التحفظ على اسمه لحساسية الأوضاع أن الاحتلال يعمل على تصفية الوكالة في القطاع لكونها شاهد على جرائمه المتكررة، مبينا أن منعها من ممارسة مهامها في الشمال يأتي في ذلك السياق ولزيادة الأوضاع الكارثية على السكان.

وبين المصدر أن الوكالة هي الجهة الأقدر على إدارة ملف المساعدات في الفترة الحالية، خاصة في ظل الوضع الأمني واستهداف الطواقم العاملة في الإغاثة ورجال الشرطة والمخاتير.

وذكر أن الوكالة لديها داتا جاهزة بأسماء العائلات الأشد فقرا ولديها الإمكانيات التي تضمن عدالة التوزيع، إلا أن استهدافها ومنعها من العمل بحرية سيؤثر على تقديم خدماتها للاجئين وسيفاقم معاناة النازحين من الحرب.

وأشار المصدر إلى أن (إسرائيل) تستخدم المساعدات الإنسانية كسلاح للضغط على المدنيين، لذلك لا تسمح بدخولها وتعرقل عمل الطواقم العاملة في الإغاثة.

ووفق ورقة حقائق أعدها ائتلاف أمان بالشراكة مع مركز بيسان للبحوث والإنماء فإن الاحتلال الإسرائيلي يستهدف بالهجمات الحربية كافة أماكن ونقاط التوزيع والتخزين للمساعدات الإغاثية للمواطنين دون خطوط حمراء.

وأوضحت الورقة أن الاحتلال شن هجمات متكررة على مراكز تجارية شريكة لبرنامج الأغذية العالمي WFP أثناء استلام المواطنين للقسائم الشرائية، ونقاط توزيع المساعدات الإغاثية في مقرات جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، ومخازن المساعدات الاغاثية التابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.

وبينت الورقة أن الاحتلال شن هجمات على دوريات وسيارات للشرطة ولجان الطوارئ أثناء محاولتها تأمين قوافل المساعدات الطبية والغذائية، وآخر تلك الهجمات كانت على موظفي الإغاثة التابعين لمنظمة “المطبخ المركزي العالمي” WCK وقتلهم جميعا.

ولفتت الورقة إلى أنه بجانب جريمة الإبادة الجماعية وتجويع السكان، يرتكب الاحتلال الإسرائيلي مخالفات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، الذي يعتبر حماية العاملين الإداريين والشرطة المدنية المكلّفة بحفظ النظام والأمن وتوصيل الإمدادات الأساسية مسألة أساسية.

وينتهك الاحتلال اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 والبروتوكولين الإضافيين لعام 1977، التي تحدد حقوق المدنيين أثناء النزاع المسلّح، بما في ذلك العاملين الإداريين ورجال الشرطة المدنية، والتي تنص على حمايتهم واتباع مبدأ الاستهداف التمييزي في الهجمات المباشرة وغير المباشرة، وتمكينهم من القيام بمهامهم بأمان ودون تعريضهم للخطر.

وكان المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أكد أن الاحتلال يهدف من وراء عمليات القتل والمجازر بحق الباحثين والعاملين في مجال المساعدات الإنسانية إلى تكريس سياسة التجويع وتعميق المجاعة بشكل أوسع، رغم تحذيرات المنظمات والمؤسسات الدولية من التداعيات الخطيرة لذلك.

مخطط تصفية

وأسست وكالة غوث وتشغيل اللاجئين أونروا بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1949، وتعمل على تقديم الدعم والحماية وكسب التأييد لقرابة 5.9 مليون لاجئ فلسطيني منهم مليون و300 ألف في قطاع غزة، إلى أن تنتهي معاناتهم بحل عادل لقضيتهم وعودتهم.

وتوفر الوكالة المساعدات وخدمات التعليم والصحة في غزة والضفة الغربية والأردن وسوريا ولبنان، واضطر 1.9 مليون للنزوح من منازلهم خلال الحرب على قطاع غزة ويحتاجون لمساعدات دائمة .

ويصف كبار مسؤولي الأمم المتحدة الوكالة بأنها العمود الفقري لعمليات المساعدات منذ اندلاع الحرب قبل ستة أشهر بين إسرائيل وحركة حماس في غزة.

وكانت وسائل اعلام عبرية أماطت اللثام عن مخطط (إسرائيلي) يستهدف إخراج الأونروا من غزة، بالتزامن مع تنفيذ جيش الاحتلال استهدافات لمراكز توزيع المساعدات في مناطق متفرقة بالقطاع المحاصر.

وحذر المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، فيليب لازاريني، في تصريح منتصف أبريل من أن مجاعة يتسبب فيها الإنسان “تحكم قبضتها” على أنحاء قطاع غزة، واتهم (إسرائيل) بعرقلة إدخال المساعدات والسعي لتصفية أنشطة الوكالة في القطاع.

وقال أمام مجلس الأمن الدولي: “تجري حملة ماكرة لإنهاء أنشطة الأونروا، وهو ما سيكون له تداعيات خطيرة على السلم والأمن الدوليين”.

وقال لازاريني “في جميع أنحاء غزة، تُحكم مجاعة من صنع الإنسان قبضتها، في الشمال بدأ الرضع والأطفال الصغار يموتون بسبب سوء التغذية والجفاف، وعلى الجانب الآخر من الحدود، ينتظر الطعام والمياه النظيفة لكن لا يُسمح للأونروا بتقديم هذه المساعدات وإنقاذ الأرواح”.

وأمام نتائج التحقيق الذي أظهر كذب ادعاءات الاحتلال واستمرار الاعتداء على المؤسسة الأممية يظهر سؤال حول دور الأمم المتحدة في حماية المؤسسات التابعة لها، ومساءلة الاحتلال على الانتهاكات الواقعة بحقها وحق العاملين فيها؟

غزة-لميس الهمص

Exit mobile version