غزة تايم

ما الذي تخبئه إسرائيل لقطاع غزة؟

alt=

غزة تايم – ترتيبات قادمة تبيّت للقطاع للانتهاء من القضية الفلسطينية، سواء تحت اسم “صفقة القرن” أو أي اسم آخر، والتي ينتظر أن تفصح عنها الإدارة الأميركية بعد الانتخابات الإسرائيلية.

من بين المواضيع الفلسطينية بات قطاع غزّة يحتل حيزا كبيرا في الأجندة السياسية والعربية والدولية، علما أن ذلك لم ينجم، فقط، عن مسيرات العودة والتداعيات التي نتجت عنها، أو عن الحصار الذي يعاني منه مليونا فلسطيني في القطاع، منذ 12 عاما، ولا بسبب الحروب الثلاث المدمرة، سنوات 2008 و2012 و2014، التي شنّتها إسرائيل على القطاع منذ سيطرة حماس عليه عام 2007، أو بسبب إخفاق كل محاولات إنهاء الانقسام في النظام السياسي الفلسطيني، على أهمية كل ذلك، وإنما بسبب ما يبيّت للقطاع في الترتيبات القادمة للانتهاء من القضية الفلسطينية، سواء جاء ذلك تحت اسم “صفقة القرن”، أو أي اسم آخر، والتي من المنتظر أن تفصح عنها الإدارة الأميركية بعد الانتخابات الإسرائيلية التي ستجرى يوم 9 أبريل الجاري، أو ربما في أواسط الشهر القادم.

معلوم أن انسحاب إسرائيل الأحادي من القطاع عام 2005، لم يخلصه من العلاقة مع الاحتلال، بسبب الحصار الذي فرضته عليه في ما بعد وهيمنتها على المعابر، وعلى واردات القطاع وصادراته وعلاقته بالعالم الخارجي، الأمر الذي تفاقم بعد انفصاله عن الكيان الفلسطيني في الضفة عام 2007.
المشكلة بالنسبة للفلسطينيين في ما يخصّ القطاع، أنهم في غمرة حماسهم للانسحاب الإسرائيلي، لم يدركوا تماما مغزى هذه الخطوة وأبعادها الإستراتيجية بالنسبة لإسرائيل، بالنظر لتحكّم نظريتين أساسيتين في إدراكاتهم السياسية:

الأولى، تتمثل في اعتبارهم أنهم باتوا في منطقة محرّرة، في حين أن الأمر لم يكن كذلك، من نواح عملية وسياسية وقانونية، إذ أضحوا عمليا في سجن كبير يديرون أنفسهم داخله، لكنهم مرتهنون للخارج، وقدرتهم على التأثير في المجال الفلسطيني أو الإسرائيلي محدودة، أو ضمن نطاق السيطرة، إذ أن إسرائيل هي التي ظلّت تتحكّم بكل شيء، في البنى التحتية وفي المعابر والصادر والوارد وصلة غزة بالخارج، بما في ذلك بالكيان الفلسطيني في الضفة. وضمن هذه الرؤية، أيضا، يمكن احتساب الاضطراب الحاصل عند القوى الفلسطينية السائدة في ما يخصّ تحديد مكانة القطاع في العملية الوطنية الفلسطينية، بين اعتباره قاعدة للمقاومة المسلحة ضد إسرائيل، مع معرفتنا أنها محدودة ومقيّدة ونجمت عنها أثمان باهظة، أو اعتباره منطقة محرّرة يفترض أن تتيح للفلسطينيين التقاط أنفاسهم وبناء مؤسساتهم ومجتمعهم، رغم أنها بطبيعة الحال محدودة ومشروطة.

الثانية، تتمثل بإحالتهم خطوة انسحاب إسرائيل إلى عمليات المقاومة، مع أن عدد كل القتلى الإسرائيليين في غزة، منذ احتلاله إلى الانسحاب منه (1967-2005)، أي في 38 عاما، بلغ 230 إسرائيليا فقط بين مستوطنين وعسكريين (حوالي ستة سنويا)، ما يبيّن قصور هذه النظرة، مع كل التقدير للتضحيات والبطولات التي بذلها الفلسطينيون في قطاع غزة في كفاحهم ضد الاحتلال. هكذا فمع أن عدد قتلى إسرائيل في الضفة أكبر بكثير من غزة، إلا أن إسرائيل تصر على عدم الانسحاب منها، بل إنها ظلت مصرة على تعزيز وجودها فيها.

على ذلك ربما كان الأجدى للفلسطينيين النظر إلى الأمر بطريقة موضوعية وبمسؤولية، وبمعزل عن الرغبات والعواطف، وتفسير ما تقدم وفقا لثلاثة اعتبارات أساسية:

أولها، أن إسرائيل أرادت من انسحابها الأحادي من قطاع غزة التخلّص مما تعتبره “الخطر الديموغرافي”، أو “القنبلة الديموغرافية”، أو التقليل منه بإخراج مليوني فلسطيني من دائرة مسؤوليتها، للحفاظ ما أمكنها على كونها دولة يهودية وديمقراطية، وتاليا التحرر من العبء السياسي والأمني والاقتصادي والأخلاقي للسيطرة على قطاع غزة، الضيق والفقير بالموارد والكثيف بالسكان، وهو أمر لم يكن يصعب إدراكه أو التقاطه سواء من التصريحات الإسرائيلية وقتها، أو من كتابات الباحثين الإسرائيليين.

وثانيها، تجزئة قضية الفلسطينيين، فثمة قضية الهوية والديمقراطية والمواطنة للفلسطينيين في مناطق 1948، وثمة قضية القدس واللاجئين والمياه والمستوطنات ومصادرة الأراضي والجدار الفاصل والطرق الالتفافية والترتيبات الأمنية في الضفة، وثمة قضية غزة أيضا وحصارها والوضع الإنساني فيها.

وثالثها توضّح تصريحات بنيامين نتنياهو، مؤخرا، أن إسرائيل بانسحابها من غزة خلقت واقعا من الفصل في الكيان الفلسطيني، بين الضفة وغزة، وأنها وضعت الفلسطينيين، أو فصائلهم الرئيسية، في مواجهة بعضها وجها لوجه، بدلا من مواجهتها إسرائيل، وأنها في كل ذلك أسهمت في تعزيز واقع تحول الحركة الوطنية الفلسطينية من حركة تحرر وطني إلى سلطة، وهو ما حدث لحركة فتح، وحدث لحركة حماس أيضا، بل إن كل ذلك أدى إلى وضع كلتا الحركتين في مواجهة المجتمع اللتين تسيطران عليه، حيث فتح في الضفة وحماس في غزة، وخلقت واقعا يؤسس لإضعاف أي منحى يفتح في المجال لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، لا في غزة والضفة، ولا في أي منطقة منهما.

وعن كل ما تقدم يقول نتنياهو “لقد قطعت العلاقة بين غزة وبين يهودا والسامرة (الضفة الغربية). هذان كيانان منفصلان، وأعتقد أنه على المدى البعيد، هذا ليس أمرا سيئا بالنسبة لدولة إسرائيل لمنع قيام الدولة الفلسطينية. من يعتقد أنه ستقوم هنا دولة فلسطينية تحيطنا من اتجاهين، أؤكد له بكل قوة أن هذا الأمر لن يحدث أبدا، نجحنا في جلب حماس إلى الحظيرة، ونجحنا في ردعها، ضائقة اقتصادية هائلة، وحماس ملجومة وتريد فترة هدوء، كي تصمد أمام الضغوط الهائلة في غزة. توجد 3 شروط آمل ألا تظهر في خطة القرن: عدم اقتلاع مستوطنين، نسيطر على المنطقة الواقعة غربي نهر الأردن، ولا نقسم القدس″. (صحيفة يسرائيل هيوم 5 أبريل).

وفي الواقع لم يكن من الصعب على القيادات الفلسطينية إدراك الأغراض الإسرائيلية المتوخّاة من الانسحاب الأحادي من غزة، إذ ثمة إسرائيليون (وفلسطينيون) كثر تحدثوا عن ذلك كمسؤولين وكمحللين، فما صعّب ذلك هو تحول الحركة الوطنية إلى سلطة، وسيادة الروح العاطفية والرغبوية في تحديد الخيارات الوطنية، هذا مع علمنا أن إسرائيل في خيارها الانسحاب الأحادي من غزة اعتمدت أيضا على سوء تصرّف أو تخلّف ردّة فعل القيادات والفصائل الفلسطينية.

بقلم – ماجد كيالي – كاتب وباحث فلسطيني

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي “غزة تايم” وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

Exit mobile version