غزة تايم – روى الفلسطيني عمر عبد الباقي (30 سنة) تفاصيل رحلة هجرته من قطاع غزة نحو بلجيكا، قام خلالها بالسير على قدميه من الأراضي اليونانية وصولاً إلى البلجيكية.
وفي التفاصيل، فقد انطلق الشاب عمر عبد الباقي في رحلة هجرة من غزة إلى بلجيكا، لكنها كانت هجرة مختلفة، إذ فضّل عمر السير على قدميه، على أن يركب مراكب الموت في البحر.
خرج عمر من معبر رفح مرورًا بمصر ووصولًا إلى تركيا واليونان ومقدونيا وصربيا وكوسوفو والجبل الأسود والبوسنة والهرسك وكرواتيا سولوفينيا وإيطاليا، وصولًا إلى محطته الأخيرة بلجيكا.
وخلال حديثه لقناة الجزيرة مباشر، قال الشاب عمر : “كُنت أفكر في الهجرة منذ عام 2015، وبعد تخرجي بحثت عن فرصة عمل ودخلت في عدة مقابلات، دون جدوى في الحصول على وظيفة”.
وأضاف عمر: “مشيًا على الأقدام، تنقلت بين غابات وثلوج أوربا، خلال أربعة أشهر كانت مدة الرحلة، عشت فيها كافة تفاصيل الألم والعذاب والمغامرة”.
وتابع : “كُنت أَشُكُ قدمي بالدبوس، كي أعرف أنها لا تزال على قيد الحياة، بعد ساعات طويلة مشيًا في ثلوج أوربا، أقدامي كانت تغوص في الثلوج لمسافة 80 سنتيمترًا (..) كثيرًا ما فقدت الإحساس بقدمي ولكن عزيمتي بالوصول إلى أوربا كانت أقوى”.
بين الغابات والثلوج والثعالب
يقول الفلسطيني عمر: اتخذت قرار الهجرة بشكل نهائي قبل نحو عام، وتواصلت مع أحد الأصدقاء ومن ثم دفعت للتنسيق للسفر عبر معبر رفح مبلغ 1650 دولارًا، ومنها إلى القاهرة.
ولفت إلى أنه حصل على تذكرة سفر إلى تركيا، بعدما فشل في الحصول على فيزا لدخول دولة البوسنة والهرسك من سفارتهم بالقاهرة، مبينا أنه وصل إلى تركيا مع مجموعة من الأصدقاء، وبدأ يفكر في الطريق الأنسب للهجرة والوصول إلى أوربا.
وأضاف : “كان لدينا خياران للهجرة إما عن طريق البر أو البحر. قمت باختيار طريق البر، حتى أتجنب المعاناة السيئة التي يعاني منها المهاجرين في اليونان، والبُعد عن إجراءات التبصيم هناك”.
وأشار عمر إلى أنه تلقى نبأ وفاه والده في غزة بعد خروجه من تركيا متوجهًا إلى اليونان.
بداية رحلة المشي
الرحلة بدأت في السابعة صباحًا خروجًا من تركيا، وصلنا قرية ” سالونيك” اليونانية، وفي اليوم التالي سافرنا بالقطار إلى أثينا.
مكثت فيها أربع أسابيع، حاولت كثيرًا السفر من المطار، لكن دون جدوى. قررت أنا وثلاثة أشخاص من سوريا، المشي من خلال الجبال والغابات. مشينا على الجبل طوال يوم ونصف بشكل دائري حتى نصل إلى قمته، لقد رأينا الخنازير البرية وخشينا أن تهاجمنا، تعرضنا إلى المخاطر.
خلال الليل كنا نسير في الغابات وعلى الجبال دون خارطة أو تفعيل نظام الجي بي إس، حتى وجدنا أنفسنا في مقدونيا. عبرنا في مقدونيا ساعات طويلة في الثلوج، نمت في غرفة مهجورة، وخرجنا إلى محطة الحافلات.
صعدت الحافلة، وكان المُرشد الذي يُهرّبنا، حريص جدًا على عدم إخبارنا بموقعنا وما أسماء المناطق التي نعبرها. حاولنا الدخول إلى صربيا، ولكن أوضاعها الأمنية لا تسمح حيث تنتشر فيها السرقات والمافيا وأعمال القتل، ناهيك عن وحشية رجال الشرطة هناك، وتعاملهم مع المهاجرين.
وصلت كوسوفو، في أغلب الأوقات كانت الشرطة موجودة، فلا يمكن الانتظار في الشوارع العامة، خوفًا من ملاحقة رجال الشرطة.
الأيام الصعبة
قضيت أيامًا صعبة في التنقل ما بين كوسوفو والجبل الأسود، فقد مشيت يوم ونصف تقريبًا، لم أشاهد سوى الثعالب والدببة والغزلان والخنازير البرية والثلوج والأشجار السوداء.
وصلت الجبل الأسود، وحاولت كثيرًا أن أدخل البوسنة، لكن كانت الشرطة منتشرة بكثافة، أربع أو خمس أيام وأنت تحاول الدخول للبلد.
كنت أنام على فرشة السفاري، والخيمة البلاستيكية، فغير مسموح لنا المبيت في الفنادق والبيوت، لعدم امتلاكنا أوراق إقامة. كان طعامنا خلال رحلة التنقل في الغابات، التونة، وعسل النحل.
كنا نمشي ونحن نيام ولمدة ستة أيام، وكانت تمر علينا أيام صعبة في البوسنة، وخاصة مناطق الأرياف. كان التحدي الأكبر هو مواجهه الكلاب البوسنية، فقد كانت شرسة.
رحلة الهجرة كلفت عمر قرابة الـ 8 آلاف يورو
زوجتي وضعت ابننا الثالث “كرم” وأنا في طريقي داخل البوسنة. كان من الصعب أن أشاهده إلا بعد يومين لعدم توفر إنترنت في طريق الجبال والثلوج. كانت معاملة رجال الشرطة مع المهاجرين، توحي بالعداء، تعرضنا للضرب.
كانت مشكلتي أنني أُجيد التحدث بالإنجليزية وكُنت أُخفي ذلك عن رجال الشرطة، لأنهم يعتقدون أي شخص يتحدث الإنجليزية هو المسؤول عن عملية التهريب.
كان الهدف الوصول إلى سراييفو، ومنها إلى كرواتيا. ذهبنا إلى أحد الفنادق على الحدود البوسنية أشبه بمشرحة تضم جرحى نتيجة الاعتداءات من الشرطة الكرواتية المعروفة بالقسوة.
كنا نواجه أشجارا من الشوك والأمطار والضباب، حتى نتمكن من الوصول إلى مدينة ميلانو الإيطالية.
أمضيت ثلاث أيام في الطريق من “تريستا” الإيطالية إلى بلجيكا، حتى نجحت في النهاية بالوصول إليها في منتصف أبريل/نيسان 2019.
أخيرًا في بلجيكا
بمجرد وصولي سلمت نفسي للشرطة البلجيكية وطلبت اللجوء، وأنتظر الرد من الشرطة على منحي اللجوء على أراضيها.
الآن أنا في مخيم اللاجئين أدرس وأعمل، وعند حصولي على اللجوء سأدرس الماجستير، وأحاول قدر المستطاع التوفيق بين الدراسة والعمل.
أدرس اللغة الهولندية مستغلًا الإجازة في بلجيكا، ومن ثم سأقدم أوراق الإقامة، كي أوفر حياة آمنة وكريمة لزوجتي وأبنائي.
رحلة الهجرة كلفتني قرابة 8 آلاف يورو، بعد أن بعت متجري في غزة، وقام بعض الأهل بجمع باقي الأموال وإرسالها كديون سأقوم بتسديدها فور استلامي للعمل في بلجيكا.
لا أنصح أي شخص على التفكير بالهجرة بنفس الطريقة، لأنها رحلة محفوفة بالمخاطر، وتعتريها آلاف العقبات.